النّجم الثّاقب

كأننا لم نذق بالأمس مرًا

د. طارق عوض سعد

سنعود من بعد كربتنا ربيعًا.. كأننا لم نذق بالأمس مرًا..

حتمًا نعود..

تراوحت المحن بين عدة أشجان.. ما بين وطن جريح.. ومريخٌ أضناه الوحيح..

عامين خليا.. ومريخنا بلا طعم ولا لون.. انكبت فيهما الخطى سراعًا نحو هاوية السقوط المذل.. وتناثر القلب فيها صريعًا كاصطراع الزجاج تكسرًا على ممشى الأطفال..

عامين خليا.. بين الأدمع الحرّى.. لوطنٍ اسكنّاه الحزن الأليم.. ومريخٌ يرزح أسيفًا تحت وطأة المجلس السقيم..

سنان من إبر الوخز السامة تطعن في الحشا.. حتى بات المرء منا لا يدري أيهما في الدماء دماء..

الأحمر القاني الوهاج أم الأحمر من أديم الوطن؟

من الأسى بمكان.. أن تعيش في وطنك غريبًا.. ومن أكابر الأسى أن تعيش خارج وطنك قسرًا..

رازحًا.. نازحًا.. نائحًا.. طائحًا..

بين جنبات الشوق للوطن تتلفح مكرمات المضيف.. ولكأنك لم تكن يومًا مريخًا لا تألفه إلا السرايات والمواهب النابهة.. وأغردوة الجماهير العريضة..

رازحًا.. إلى ديار العرب الموريتانية.. تتكفف قتات الثريد.. لفتية بذلوا أقصى ما في وسعهم لتخليد اسمك.. ماضيًا.. وحاضرًا.. وغدًا..

نازحًا إلى جب قلنسوة طلياني معتوه.. لا يفقه إلا الطريق نحو الشرط الجزائي.. تحت حيرة مجلسٍ أدمن الخوف من الجهر بالحق.. وفغر فاه بلاهة وعجزًا..

نائحًا.. ليس بفقه الضعف.. فأنت يا مريخ قويٌ بماضيك البطل.. أسيفًا على أن سيد مغرز السيف في أحشائك ليس غريبًا.. وما أشقى وأقهر من ظلم ذوي القربى..

طائحًا.. كالصيدة الجريحة بلا أشرعٌ تشق الوهاد أملًا في الاستشفاء..

عامين خليا.. من النوح المسافر في آمال العاشقين الوالهين الغارقين المتبتلين.. في غسق نجمك السوميت..

إن جرح الوطن برغم مضاضته يبقى وسيمًا.. لجهة أنك تتعهده بالصبر والأناة.. في بلوغ سعود التعافي..

ولأن المريخ وطن.. لن يقنط النجم من صهر كل معاناته بعزيمة رجاله الأوفياء.. في سبيل تخليصه من داء النمير العضوض..

إذن..

سنعود من بعد كربتنا ربيعًا.. كأننا لم نذق بالأمس مرًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: محمي ..