التنفس باللسان
أبو بكر الطيب
لقد قيل أن الثرثرة من العيوب القديمة، والثرثار هو المكثر من الكلام والحكي في الفاضي والمليان، ومع كثرة كلامه فإن صوته يكون عاليًا، وله حلقوم يستطيع أن يُسمِع الجميع دون الحاجة لساوند سيستم، ويقال عندما تجتمع خاصيتي الثرثرة مع الصوت العالي والحلقوم الواسع الكبير في شخص ما، فإن هذا الشخص يسمى في هذه الحالة “الرعّاد”، وهو اسم سمكة إذا لمستها فإنها تصيبك بصدمة كهربائية وتخدر جسدك، وتسمى هذه السمكة في السودان “البردة”، وقد جاء في الأثر أمثلة كثيرة تضرب على الرجل كثير الكلام من دون فعل يُذكر، فيقال “ربّ صلف تحت الراعدة أو الراعد”
يعتبر كثرة الكلام والثرثرة، من أقبح العيوب التي يصنف بها الرجل، لأنها كثيرً ما توقع صاحبها في الأخطاء، أو إطلاق الوعود التي لا يستطيع الإيفاء بها، وتجعله متناقضًا مع أقواله وأفعاله وتصرفاته، لذلك اهتمّ المصنفون بمحاربتها، وقد وضعوا لها 25 اسمًا في اللغة العربية، ويعكس كل اسم جانبًا من جوانب تلك العادة، وسبب كثرة اسمائها لأنها كانت مما يعاب على الرجل الثرثار، مهما كانت مبرراته والظروف المحيطة به، وقد أشار بعض المصنفين إلى أن هذا العيب لا يرتبط بمضمون ما يقوله القائل، بل بما يوعد به وعدد وعوده.
ومن المعروف أن الأصل في اللغة العربية ليس كثرة الكلام، لأن اللغة العربية فيها من البلاغة ما يفيد، وأن الأصل فيها هو الإيجاز كما ورد في المأثور، وبالتالي فأن الكثرة في الوعود لا تحمل سوى معنى الثرثرة والوعد المخلف.
ومن صفات الرجل الثرثار بخلاف إطلاق الوعود إنه رجل فجفاج، فهو مع كثرة وعوده بلا إيفاء فهو أيضًا متشبّع بما ليس عنده، وهذه من الأسباب التي تؤدي إلى وقوع المشاكل وتدمير العلاقات، وتفكيك الأواصر والروابط وضياع المصالح، لكونها تتسبب معظم الأحيان في الإهانة والتقليل من شأن الآخرين.
أما التسمية المتعارف عليها للثرثرة في بعض المجتمعات هي النميمة والقطيعة، وهي تبدأ بالحديث في موضوعات صغيرة وتتدرج بعدها بالزيادة عن القيل والقال، وبسبب انتقال الكلام من شخص إلى آخر يتم زيادة الموضوع وتحريفه، ومع ذلك يبررونها بأنها فضفضة مجالس فيا للعجب.
وأهلك العرب قالوا:
من السمات الشهيرة للشخص الثرثار، إنه لا يستطيع الاحتفاظ بعلاقاته والإيفاء بوعوده، لأنه لا يفكر فيما يقوله ويتنفس بلسانه.
والله المستعان.