أرض الأبطال مصنع الرجال
صوفي أبو سمرة تكتب لـ”الصّفوة”
لن ننطفئ ولن نميل إلى غروب، لن يفل نجمنا ولن يخبو ضياؤنا، لأن الله أراد لنا أن نكون شعلة فوق منارة هذه القارة، في بحرها اللجي الذي تغشاه أمواج الغدر والخيانة والعمالة والارتزاق. تحيط بنا الدسائس، وتتناوشنا الأطماع من كل حدب وصوب، وليس للسودان إلا نصر الله الذي وعدنا به، وصمود شعبه، وبسالة جنده الأشاوس، حقيقة وليس ادعاء.
أرادوا إغراقنا في ظلمات الحروب والفتن والإبادة حتى ينهلوا هم من موارد أرضنا، وينهبوا خيراتها، فأشرقت ألف شمس تأبى الأفول، وتتوهج عند المحن. فكان تلاحمًا فريدًا بين الشعب وقواته المسلحة، لأنه عندما تدلهم الخطوب تنعدم الخيارات، ولا شيء يعدل الوطن وسيادته ومجده، ولا شيء غير عزة الأرض وكرامة العرض.
نحن لم نحتفل بكل ما تحقق من انتصارات، لأن أوان الاحتفالات لم يحن بعد. الآن نحن فقط نحيي صمود الأبطال وعزمهم، ونحيي صمود شعب عانى ما عانى من ويلات حرب ضروس لا تبقي ولا تذر، وتحمل ما لم يتحمله الصخر الأصم وما لا طاقة لبشر به.
إننا نحتفل بعزائم الرجال وصدقهم فيما عاهدوا الله عليه وشعبهم. عزموا وتحزموا أن لا تسقط راية هذا الوطن، وأن لا عودة إلا وسيادة الوطن واقعًا ترفرف أعلامه فوق هامات النخيل والسرايات والدور والشجر. وأن يكون نصر السودان حديثًا يطغى على كل حدث.
فلا غلو في الأماني ولا غرابة في السرد، فهذا هو شعب السودان، وهؤلاء هم جنوده، أحفاد أولئك الذين جاء المستعمر من أجلهم غازيًا كهدف أصيل على قائمة أولوياته لغزو بلادنا، وأسماها من أجل المال والرجال، فعاد بخيبة الرجاء والفأل.
هؤلاء أحفاد الرجال الذين قال عنهم نابليون بونابرت، أحد أعظم الفاتحين والغازين في التاريخ، مقولته الشهيرة التي نسبت إليه: “أعطوني جنديًا سودانيًا وسأستطيع السيطرة على العالم.”
المقولة تحكي عن إعجاب نابليون بالجنود السودانيين وسمعتهم التي طبقت الآفاق في ذاك الزمان. وإذا كانت مقولة نابليون بونابرت من مصدر محلي أو عالمي، وإذا كانت حقيقة أو نسبت إليه مجرد نسب، إلا أنها في الحقيقة تعكس ما عرف عن الجندي السوداني حينها، من الحربين العالميتين وقتال الجندي السوداني مع جيوش الحلفاء، فأثار دهشة وإعجاب العالم.
كان وما زال الجندي السوداني يعتبر من بين أفضل المقاتلين الذين اشتهروا بالقوة والبسالة والمهارات العسكرية العالية، وشدة التحمل والصمود، وعقيدة القتال ونصرة القضية.
فهؤلاء هم أبناء الوطن وجنده وقت المحن، هم قوتنا وذخيرتنا في عالم كالغابة، البقاء فيه للقوي الذكي الوفي.
والحمد لله الذي أفاض علينا بجزيل نعمه وكثير آلائه. والحمد لله حمدًا كثيرًا أن جعل هذا الوطن أرضًا للأبطال، ومصنعًا للرجال، وعنوانًا للبسالة والصمود والفداء.
اللهم نصرًا بعد نصر، ونصرًا فوق نصر، ومن نصر إلى نصر، حتى تحرير آخر شبر من أرضنا بفضلك يا نصير، وبعزمك يا قدير.