أبواق الفساد! (2)

أبواق الفساد! (2)
أبو بكر الطيب
إنَّ الفساد سرطان ينخر في جسد الاتحاد العام، ومهدِّدٌ قوي للنزاهة، ومفرِّغٌ لمبادئ العدالة من مضمونها، ومع تفشيه تظهر فئة تلعب دورًا خفيًّا لكنه مؤثر؛ لأنها أبواق تدافع عن الفساد، وتشكل خط دفاع أماميًّا يحمي من خلفه المفسدين الحقيقيين، ليتعاطف معهم أتباع يخوضون مع الخائضين دون وعي أو دراية. هؤلاء ليسوا فقط شركاء في الجريمة، بل هم أدوات تبرير وتضليل تعمل على حماية الفاسدين وإضفاء الشرعية على ممارساتهم.
لماذا ينصب أبواق الفساد أنفسهم مدافعين عن جرائم المفسدين؟
للإجابة على هذا السؤال، نجد أن أبواق الفساد يتبعون طرقًا ممنهجة للوصول إلى مواقع التأثير والقرار، مستخدمين مزيجًا من الخداع واستغلال الثغرات، ومن أهمها استغلال العلاقات الشخصية، وصلة القرابة، أو “بلدياتنا”، أو الولاءات، على شاكلة: “ناس زولي وزولك”.
هذه جميعها أبواب قوية يدخل منها المطبلاتية لأصحاب النفوذ، لتمهيد الطريق إلى إقامة شبكات مصالح متبادلة تهدف إلى ترسيخ وجودهم وتعزيز هيمنتهم، فتكون مهمتهم الأولى هي الدفاع والتصدي لكل من ينتقد أو يهاجم واحدًا منهم، مقابل الحصول على إغراءات مالية، ومنافع شخصية، ومكاسب بفتح منافذ استثمارية جديدة.
أما من أهم مهامهم الثانية، فهو تضليل الرأي العام بإظهار نقاء وطهارة “رأس الحيَّة”، وهذا يُعد انتهاكًا صارخًا للقيم الأخلاقية والاجتماعية التي تُبنى عليها المجتمعات والاتحادات، حيث يتم طمس الحقيقة وتزييف الوقائع، لأن التلاعب بالمعلومات وتضليل الرأي العام لتبرير التجاوزات ما هو إلا تغطية على الفاسدين، وتبرئة لتورطهم، ببيع الضمائر، وغياب المسؤولية الأخلاقية، والتخلي عن مبادئ النزاهة والعدالة والحياد.
إنَّ ما نشهده في الاتحاد العام هو وقائع تعكس كيف يستخدم هذا الاتحاد أبواقًا كأدوات لشرعنة التجاوزات، وتمرير القرارات المشبوهة، وتقديم المصلحة الخاصة على العامة.
إن للأبواق دورًا مهمًّا في الدفاع عن الفساد، فهم ليسوا مجرد شخصيات ظاهرية، بل يمتلكون أدوات خفية تدعم نفوذهم بتشويه الحقائق، وبث المعلومات المغلوطة، وتبرير القرارات الخاطئة والمشبوهة، والتشكيك في منتقدي الفساد.
ونجد أن الولاءات داخل الاتحاد قد أدت إلى بناء شبكات من المصالح التي تؤمن لهم الحماية والدفاع في مواجهة المساءلة، فهؤلاء هم سبب تقويض جهود الإصلاح، وإفشال أي مبادرة إصلاحية، وإضعاف الأجهزة الرقابية لمنع كشف التجاوزات.
وأهلك العرب قالوا:
إنَّ الفساد ليس مجرد انتهاك قانوني، بل هو طعنة في صميم القيم الإنسانية، وإنَّ أبواق الفساد يمثلون أداة خطيرة لتكريس هذا الانحراف.
فليعلم هؤلاء أن الحق لا يموت ما دام هناك من يؤمن به ويدافع عنه.
والله المستعان.