بين “بلد العميان”!
أبو بكر الطيب
والعمى الإداري
في رواية “بلد العميان” للكاتب الإنجليزي هربرت جورج ويلز، نجد قصة تجسد مأساة العيش في مجتمع مغلق يرفض أي فكرة جديدة، مجتمع يرى أن واقعه الناقص هو الكمال المطلق، وأن كل من يحاول إخراجه من الظلام إلى النور هو مجنون يستحق العقاب. هذه القصة ليست مجرد خيال أدبي، بل هي إسقاط واقعي على كثير من المجتمعات التي تأبى الاعتراف بأخطائها، وتصر على البقاء في مستنقع الفشل.
ولو تأملنا حال اتحاد الخرطوم اليوم، سنجد أنه يعيش حالة مشابهة جدًا لـ**”بلد العميان”**. فالإداريون وبعض الرياضيين الموالين الذين يستفيدون من استمرار هذا الوضع، والإعلاميون المضللون، والمطبلون الذين يدافعون عن الفشل، كلهم يشكلون منظومة قائمة على إنكار الواقع ورفض وجود مشكلة قانونية، هذه المشكلة تستوجب الاعتراف بها أولًا تمامًا كما فعل سكان “بلد العميان” عندما سخروا من فكرة البصر واعتبروها ضربًا من الجنون.
وجه الشبه بين اتحاد الخرطوم و”بلد العميان”
1- رفض الاعتراف بالمشكلة
في “بلد العميان”، لم يكن سكان القرية يؤمنون بأن هناك شيئًا اسمه البصر، بل اعتبروا من يتحدث عنه مريضًا يجب علاجه. وهذا يشبه تمامًا حال إداريي اتحاد الخرطوم، الذين يرفضون الاعتراف بأن هناك أزمة حقيقية في الإدارة والتخطيط. كلما تحدث أحد عن ضرورة الإصلاح، وعمل نظام أساسي، وُصف بالمحبط أو المغرض، وكأن الحديث عن الفشل أكبر من الفشل نفسه.
2- مهاجمة كل من يتحدث عن قرار المحكمة الإدارية
كما قرر سكان “بلد العميان” اقتلاع عيون نيونز حتى لا يزعجهم بفكرته الغريبة عن الإبصار، نجد أن أي شخص يحاول توضيح قرار المحكمة يواجه بحملات تشويه وإقصاء. فالقيادات الحالية لا تريد من يفتح أعين الناس على أخطائها، بل تفضل أن يظل الجميع عالقين في نفس الدائرة المغلقة.
3- الإعلام المضلل والتطبيل للواقع المزيف
في الرواية، كان العميان مقتنعين تمامًا بأن عالمهم هو الحقيقة المطلقة، ولا حاجة لهم بمعرفة شيء خارج قريتهم. وفي رياضتنا، هناك إعلام رياضي يمارس دور “المرشد الأعمى”، حيث يزين الفشل، ويدافع عن الإداريين الفاسدين، ويهاجم كل صوت يحاول كشف الحقيقة. والنتيجة؟ جماهير تُخدع، ورياضة تتراجع، ومستقبل يُبدد.
4- التخلف عن العالم وعدم مواكبة التطور
بينما كانت بقية العالم تتقدم، كان سكان “بلد العميان” يعيشون في عزلة، مقتنعين بأن لا شيء ينقصهم. وهذا تمامًا ما يحدث في اتحاد الخرطوم حيث تظل إدارته حبيسة أفكار قديمة، بينما تتطور الرياضة عالميًا. فبدلًا من التعلم من تجارب الدول الأخرى، والاعتماد على الإدارة الاحترافية والتخطيط السليم، يصر المسؤولون على إدارة الرياضة بنفس العقلية الفاشلة، متجاهلين التطورات الحديثة في الإدارة الرياضية.
هل نخشى أن نبصر؟
إذا كان “بلد العميان” يرفض الاعتراف بالبصر، فهل نخشى نحن أن نرى الحقيقة؟ هل نخشى الاعتراف بأن إدارتنا الرياضية بحاجة إلى تغيير جذري؟ وأن الكرة السودانية لن تتطور ما لم نفتح أعيننا على الحقيقة ونتقبل النقد البناء؟
الحل يبدأ بالاعتراف بالمشكلة، ثم بالسماح لأصحاب الرؤية والبصيرة الحقيقية بأن يقودوا عملية الإصلاح. أما إذا استمررنا في إنكار الواقع، فلن نكون أفضل حالًا من أولئك الذين اعتبروا العيون مرضًا، والعمى صحةً!
واهلك العرب قالوا:
إن اتحاد الخرطوم يحتاج إلى ثورة فكرية قبل أن يحتاج إلى تغيير إداري. يحتاج إلى التخلص من العمى الإداري، وإفساح المجال لأصحاب العقول المستنيرة. فإما أن نبصر ونلحق بركب التطور، أو نبقى في “بلد العميان”، حيث يصبح الفشل هو القاعدة، والنجاح هو الاستثناء.
والله المستعان