عندما يكون الغراب دليلًا!!

أبو بكر الطيب
رحلة الضياع تحت قيادة العبث
في ذروة الحكمة العربية القديمة، جاء المثل القاطع:
“إذا ما الغراب دليل قوم، مرّ بهم على جيف الكلاب… فلا وصل القوم ولا وصل الغراب.”
مثلٌ موجعٌ في صدقه، يرسم لوحة قاتمة لمصير أي كيان تُسند قيادته إلى من لا يملك الرؤية، ولا الكفاءة، ولا النية الخالصة.
فالغراب، في المخيال الشعبي، ليس رمزًا للقيادة أو البصيرة، بل رسول شؤم ودليل خراب. فإذا تصدّر هذا الكائن مهمة التوجيه، فإن المسار لا بد أن يكون نحو الجيف، حيث العفن، والانحلال، والفشل المحتم.
حين يكون الغراب إداريًا
ما أبشع أن تتحول هذه الصورة المجازية إلى واقع نعيشه. وما أوجع أن نجد أنفسنا نشاهد اتحادات وأندية ومنظومات، كانت ذات يوم منارات للنجاح، تنحدر تباعًا لأنها وقعت تحت قبضة “غربان” العصر:
أشخاص تولوا القيادة بلا كفاءة، بلا بوصلة، بلا أدنى استعداد لفهم طبيعة المهمة التي أوكلت إليهم.
لنأخذ مثالًا حيًا ومؤلمًا:
الاتحاد العام السوداني، ونادي المريخ السوداني.
هذا النادي العريق، الذي كان يومًا ما مفخرة جماهيره، يترنح اليوم في دوامة من الفوضى والقرارات المرتجلة، والضبابية الإدارية.
لم يعد المريخ يُدار برؤية رياضية احترافية، بل صار أسيرًا لأمزجة أفراد، تغلبهم المصالح الضيقة.
المظاهر الكارثية للقيادة غير المؤهلة
مثل نادي المريخ، هناك عشرات الأندية والاتحادات التي تعاني من نفس العلة:
قيادة بلا أهلية، تفتقر لأبسط مقومات التخطيط والبناء. ومن أبرز ملامح هذا التدهور:
• غياب الرؤية الاستراتيجية: الاكتفاء بردود الأفعال، والتركيز على المسكنات المؤقتة دون أي أفق للمستقبل.
• القرارات الارتجالية: قرارات تُتخذ في الغرف المغلقة بلا مشورة، ولا تحليل واقعي للنتائج.
• المصالح الذاتية على حساب المصلحة العامة: المال والسلطة أصبحا أهم من الشعار والكيان.
• إهمال الموارد البشرية والمادية: لا تطوير، لا تنمية، لا استثمار حقيقي في الأصول.
• التجاهل المتعمد لأصحاب الرأي والكفاءة، والكلمة فقط لمن “يُطبّل”، فهو أحد معاول الهدم والتردي، أما من يصدح بالحقيقة، فمصيره الإقصاء.
• سيطرة المحسوبية والشللية والتعيينات التي لا تتم بالكفاءة، بل بالقرابة والولاء، من أسباب الضعف الإداري وهشاشته.
“فلا وصل القوم ولا وصل الغراب”
حين تُدار الأندية والكيانات بهذه الطريقة، فالنهاية منطقية لا تحتاج إلى كثير تحليل:
فشل في تحقيق الأهداف، انقسام في الصف، هدر للموارد، تراجع في الأداء، ثم انهيار شامل.
حتى أولئك الذين اعتلوا القيادة وهم يظنون أنهم سيجنون المجد أو المال، ينتهون في الغالب إلى العزلة، أو يُسقطهم الجمهور، أو تلعنهم سجلات التاريخ.
دعوة للتغيير قبل فوات الأوان
إن هذا المقال ليس صرخة تشاؤم، وإنما نداء إصلاح.
يبدأ من الاعتراف بأن القيادة مسؤولية، لا وجاهة، وأن تسليم زمام أي كيان رياضي أو غيره — إلى غير المؤهلين، هو بمثابة حكم بالإعدام على مستقبله.
نحن في حاجة ماسّة إلى:
• إعادة النظر في معايير اختيار القادة.
• ترسيخ قيم الشفافية والمحاسبة.
• بناء هياكل مؤسسية تمنع الفردنة وتضمن التخطيط السليم.
• دعم الكفاءات وتمكين أصحاب الرؤية والمبدأ.
وأهلك العرب قالوا:
“إذا كان الغراب دليل قومٍ، مرّ بهم على جيف الكلاب، فلا وصل القوم ولا وصل الغراب.”
“إذا ساد من لا يُحسن، وضاع من لا يُوجّه، صار القوم بين التيه والانحدار.”
فلنتأمل، ونتحرّك، قبل أن يُصبح الغراب هو الدليل الوحيد في طريقٍ لا رجعة منه.
والله المستعان.
