الهامات المنحنية أمام الجيب المنتفخ!

أبوبكر الطيب
من عظمة الصعود الذاتي إلى سطوة المال المشبوه: حين تنحني الهامات أمام بريق الثروة في ملاعبنا البائسة.
عرفنا في الماضي قيادات رياضية صنعت مجدها من لا شيء، خرجت من بين الناس، تعرف آلامهم، وتحمل في صدورها شغفًا صادقًا بالرياضة. لم يكونوا يملكون إلا إرادتهم، وأخلاقهم، وإيمانهم بما يقدمونه. حفروا أسماءهم في ذاكرة الجماهير بإنجازاتهم، لا بثرواتهم؛ بكبريائهم، لا بخضوعهم؛ بمواقفهم، لا بتبعيتهم.
لكن هذا الزمن تغيّر، وانقلبت المعايير رأسًا على عقب. في ملاعبنا اليوم، يتقدّم الصفوف من يملك المال، لا من يملك المبادئ. يُصنّف صاحب الحساب البنكي الضخم زعيمًا، ولو لم يفهم قوانين الرياضة أو يحترم جمهورها. يُصنّف راعي “المرحلة” قدوة، ولو لم يقد يومًا إلا صفقات مشبوهة وتفاهمات خلف الأبواب.
أصبحت الرياضة رهينة الذمم الرخيصة
ما نراه اليوم ليس مجرد انحدار أخلاقي، بل سقوط كامل لمفهوم “الرياضة” كما عرفناها. أصبحت بيئة خصبة للمتسلّقين والانتهازيين، ودخلها “تجّار المال” لا حبًا في الرياضة، بل طمعًا في النفوذ والشهرة والصفقات الجانبية. استعبدوا من حولهم، وابتكروا سوقًا جديدًا: “سوق الكرامة”. فيه تُشترى المواقف، وتُباع الولاءات، ويُكافأ الانبطاح، ويُعاقب من يرفع رأسه.
لا مكان اليوم للكفاءات التي تقول “لا”. الصوت الحر يُقصى، والمبادئ يُسخَر منها، والشرفاء يُسجنون في دائرة التهميش. أما المطبلون، فهم في نعيم يمرحون، يدورون في فلك “السيد الممول”، يهللون له إن أخطأ، ويمدحونه إن أساء، ويهاجمون كل من يرفض بيع نفسه.
يا له من انحطاط! ويا للأسف!
أصبحت الأندية والاتحادات مرتعًا لثقافة “الأسياد والحشم”، وارتدى الكثيرون عباءة الخدم الطوعيين بلا حياء، تخليًا عن عزة النفس، وتنازلًا عن الرجولة، طمعًا في وظيفة، أو تذكرة سفر، أو مكافأة مخزية، والأدهى والأمر، ربما تكون المكافأة تذكرة لأداء الحج أو العمرة بمال لا يصلح للصدقة، فكيف تُؤدى به الحج والعمرة؟
لقد انتصر المال في ظاهر المشهد، لكنه قتل الروح. انتصر على المبادئ، فانتصرنا نحن بالخسارة. فهل من عاقل يرضى بأن تُدار رياضتنا بعقلية التاجر لا المدرب؟ بالولاء لا بالكفاءة؟ بالرشوة لا بالعمل؟ وهل يُعقل أن تتحول الرياضة، التي وُجدت لتوحِّد، إلى وسيلة للإذلال والتبعية والهيمنة؟
لا بد من يقظة ورفض جماعي
لهذا المسار، لأنه لا يصح إلا إذا تصدى له العقلاء، ورفع الصوت كل من تبقّى له ضمير حي. لن تعود الرياضة إلى نقائها ما دام “الناجح” هو من يصفق أكثر، لا من يعمل أكثر. وما دام “الزعيم” هو من يدفع أكثر، لا من ينجز أكثر.
قبل الختام
من يبيع كرامته من أجل المال، سيشتري به ذله أولًا… ثم يُباع هو لاحقًا بأقل مما باع به نفسه.
وأمامنا كثير من المواعظ والعبر لمن ينطبق عليهم هذا القول.
فلتكن هذه صيحتنا: لن نركع للمال، ولن نساوم على كرامتنا. رياضتنا لن تُدار بعقلية “الدفع مقابل الطاعة”، بل بروح الشرف والكفاءة. سنرفع رؤوسنا عاليًا، ونكسر قيد التبعية، ونعيد الاعتبار لميادين كانت يومًا رمزًا للفخر… لا أسواقًا للمساومة والارتزاق.
وأهلك العرب قالوا:
لقد كنا نعد الرجل منّا إذا سقط منه درهمٌ في مجلس أن يتركه حياءً من الناس
لا مال أعزّ من العقل، ولا عزّ أرفع من الكرامة، ولا ذُلّ أهون من التبعية
ومن لا يملك قوته لا يملك قراره
والله المستعان
