وسط الرياح

“قطار التوافق!!

عدد الزيارات: 21٬004

474

أبو بكر الطيب

بين قضبان العدالة ومحطة الترضيات: رسالة إلى الأستاذ النذير”

تحية طيبة للأستاذ القدير عبد الفتاح النذير،
ولقرائه الكرام.

لقد تابعت باهتمام بالغ مقالكم الأخير، الذي سلّط الضوء على مساعي التوافق في الوسط الرياضي السوداني، تلك المساعي التي لا نشكك في أهميتها، ولا نعارض نُبل مراميها، لا سيّما في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخنا الوطني. فالوئام غاية منشودة، وحقن الخلافات ضرورة لا مفرّ منها.
لكن، ومع إيماننا المطلق بأهمية السِّلم الرياضي، يبقى السؤال الذي لا بد من طرحه بصدق:
هل يسير قطار التوافق على القضبان الصحيحة، أم أنه توقّف في محطة الترضيات وغفل عن وجهته الأصلية – العدالة والإنصاف؟

الفقرة الأولى: وقفة مع قرار رفع العقوبة

في معرض حديثكم الكريم عن “إطلاق السراح” لرئيس اتحاد الخرطوم، اسمح لي يا أستاذي أن أتوقّف قليلًا.
لقد تأسست لجنة الوساطة على أسس واضحة: الإصلاح، والتقريب، واحتواء الأزمة بروح المسؤولية. لكنها – للأسف – انزلقت مؤخرًا من موقع الحياد إلى مسرح التبرير والترضية.
أما قرار رفع العقوبة، الذي بُشّر به باعتباره انتصارًا للتوافق، فهو في حقيقته مثار استغراب واسع وتساؤلات لا تقل مشروعية عن شكوكها، أبرزها:

كيف صدر القرار في غياب رئيس لجنة الانضباط، الذي كان حاضرًا في جلسات التوافق ومطّلعًا على جوهر القضية؟

بأي منطق قانوني تُسقط عقوبة، والقانون يقول: “تُعلَّق بعد نصف المدة إذا رأت ذلك…”؟

وهل يمكن لمجرّد جلسة صلح أن تحوّل مسار العدالة من قاعة الانضباط إلى ردهات المجاملة؟

الفقرة الثانية: معضلة “مدى الحياة” وميزان العدالة

هنا، لا بد أن نسلّط الضوء على نموذج آخر لا يقل خطورة، وهو المدرب الذي عُوقب بالإيقاف مدى الحياة، في مدينة كوستي:

كيف لهذا المدرب أن يطلب المساواة مع رئيس اتحاد الخرطوم الذي أُطلق سراحه بعد “نصف المدة”؟

هل هناك من يستطيع، ولو استعان بالذكاء الاصطناعي، أن يحسب نصف الأبدية؟

هل نملك في قوانيننا الرياضية ما ينص صراحة على عقوبة مدى الحياة؟ أم أن اللجنة ابتدعتها كما تُبتدع الروايات؟

إن هذه الأسئلة ليست من باب الجدال، بل هي صرخة عقل تدعو لتوحيد المعايير ومساءلة من يصنع القرار وفق هوى، لا وفق نصٍّ أو عدالة.

الفقرة الثالثة: قطار التوافق وقضية اتحاد الخرطوم

أما فيما يخص اتحاد الخرطوم، فإن رفع العقوبة عن رئيسه لا يحل أصل الإشكال، بل ربما يُعمّق الإرباك.
القضية ما زالت معلّقة بين خيارين لا ثالث لهما:

سحب الاستشكال القانوني، أو

الانتظار القاتل لقرار المحكمة، متى ما عادت لعقد جلساتها.

وفي هذا السياق، فإن الجولات التفاوضية الخماسية والسباعية، التي شُبّهت بالملاحم السياسية، ما هي إلا مضيعة للوقت والجهد ما لم تُطرح حلول حقيقية تعالج أصل الأزمة، لا سطحها.
فلا جدوى من “تصفير العداد” إن لم يُفتح باب الإصلاح الحقيقي.

الفقرة الرابعة: دعوة إلى معالجة الجذور

يا أستاذ النذير، نتفق معك تمامًا أن التوافق الرياضي ضرورة، ولكننا نختلف في وسيلة الوصول إليه.
فالصلح الحقيقي لا يُبنى على “تبويس اللحى” وتجاوز الحقائق، بل يبدأ من معالجة الجذور، لا الفروع.
إن حالة الفراغ الإداري التي تعيشها بعض الأندية والاتحادات، والانفلات التشريعي الذي جعل القرارات مزاجية بلا أطر واضحة، هي التحديات الحقيقية التي يجب أن نخوضها، لا التفاخر بإلغاء عقوبات فردية قد تكون في أصلها غير قانونية.

وقبل الختام:

نُجدّد تقديرنا لمساعي الخير، ولكن نؤكّد أن قطار التوافق لن يبلغ محطته المنشودة ما لم يُعَد توجيهه إلى قضبان العدالة والنزاهة والشفافية.
فليس من العقل، ولا من الحصافة، أن نُضحّي بجوهر القانون لأجل “مكاسب وقتية”، أو نُرضي طرفًا على حساب مؤسسات نأمل أن تكون حصنًا للثقة.
إننا نطالب بتفكير استراتيجي لا تكتيكي، تفكير يُعالج ولا يُجمّل، يُصلح ولا يُسكّن.

وأهلك العرب قالوا:
“ما هكذا تُورد الإبل”

والله المستعان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
XFacebookYoutubeInstagram
error: محمي ..