مطرقة التذبذب وسندان الطموح.. صرخة التغيير

أبو بكر الطيب
لم تكن نقطة التعادل الأخيرة للمريخ أمام إنزيدان رقمًا باهتًا يُضاف إلى سجلات الدوري، بل هي جرسُ إنذارٍ يُقرع في أروقة القلعة الحمراء، ويستنهض العقولَ والقلوبَ معًا لمراجعة واقعٍ فنيٍّ هشّ، ومستقبلٍ غامضٍ لفريقٍ بحجم وتاريخ “الأحمر الوهاج” يطمح في بناء فريقٍ ينافس قاريًّا.
كثرت العثرات الفنية… والمردود لا يليق بالمريخ.
في التفاصيل، لا يحتاج المتابع الحصيف إلى كثير جهدٍ ليدرك حجم التذبذب في أداء الفريق، وهو تذبذبٌ لا يليق بفريقٍ يملك القاعدةَ الأكبر والطموحَ الأعلى. قراءة اللقاء تشير بوضوح إلى أن الجهاز الفني لم يُحسن تقدير الخصم ولا إدارة المباراة. لم يمنح فريق إنزيدان، رغم تواضع ترتيبه، ما يستحقه من احترامٍ تكتيكي، فدفع الفريق ثمنَ ذلك غاليًا في الشوط الثاني، حين تبدّدت الأفضليةُ وتحوّل المسعى من حسم المباراة إلى تدارك الأخطاء.
عشوائيةُ التبديلات، بطء التفاعل مع مجريات اللعب، وتغييب العناصر الحاسمة، كلها أوجهُ خللٍ تحتاج إلى مراجعةٍ شجاعة.
فالمباراة كانت فرصةً لاستعادة الثقة، لكنها انتهت بتعادلٍ مخيّبٍ يُكرّس لمسلسلٍ من النتائج غير المقنعة.
تكرار الإخفاق… خللٌ منهجي لا مصادفةٌ عابرة
ما يُضاعف من وطأة التعادل، أنه جاء مكرّرًا أمام ذات الفريق في مباراتي الذهاب والإياب. تكرارٌ لا يمكن تبريره بعوامل ظرفية، بل يكشف عن خللٍ هيكليٍّ في فلسفة الأداء أمام الفرق المصنّفة على الورق بأنها “الأقل”، وهو ما يتطلب وقفةً صادقةً مع النفس.
فهناك فرقٌ بين قراءة المنافس باستعلاء، وقراءته بثقةٍ واقعية، ويبدو أن الجهاز الفني أخطأ المعادلة في المرتين.
دماءٌ جديدة أم استمرار الدوران في الحلقة المفرغة؟
في ظل تكرار نفس الإشكالات الفنية، تبرز الحاجةُ المُلحّة لضخّ دماءٍ جديدةٍ في جسد الفريق. فبعض العناصر الحالية، ورغم تعدد الفرص، أثبتت أنها تفتقر للحلول الفردية والحسم في الأوقات الحرجة.
التغيير ليس ترفًا، بل ضرورةٌ مُلحّة إذا أردنا لمريخنا أن ينهض من كبوته. المطلوب ليس تغيير الأسماء فقط، بل عقليةُ الأداء، ومنظومةُ العمل الفني.
رابطة قطر… أملٌ يتجدد رغم عاصفة الانتخابات
وفي مشهدٍ موازٍ، تخوض رابطةُ المريخ في قطر واحدةً من أشرس معاركها التنظيمية، حيث تدور رحى انتخاباتٍ حامية الوطيس. صحيحٌ أن هذا التوتر التنظيمي قد يُلقي بظلاله على المشهد، إلا أن من يعرف هذه الرابطة، بتاريخها الطويل، وكوادرها الواعية، يُدرك أن ما تمرّ به ليس سوى سحابة صيف.
لقد كانت رابطةُ قطر على الدوام سندًا وظهيرًا للمريخ، بحضورها النوعي ومبادراتها النوعية، ومنبعًا للكفاءات والولاء الحقيقي. وإذا كانت التجربةُ الانتخابية الحالية شاقة، فإنها لا شكّ ستُفضي إلى مرحلةِ نضجٍ جديد، تُستثمر فيها التحدياتُ لصالح البناء لا الهدم، ولصالح الفريق لا الأفراد.
صرخةُ التغيير… مسؤولية الجميع
إن أزمةَ المريخ اليوم ليست فنيةً فحسب، بل هي جزءٌ من حالةٍ عامةٍ تتطلب مراجعةً شاملة: إدارية، فنية، وجماهيرية. المطلوب أن تتوحد الجهود خلف رؤيةٍ واضحة، لا شعاراتٍ جوفاء.
إدارةٌ تسمع وتستجيب.
جهازٌ فنيٌّ يخطط ويبتكر.
لاعبون يقاتلون بشرف داخل المستطيل.
وجماهير تعي أن الصبر لا يعني الصمت، والدعم لا يعني التطبيل.
وقبل الختام:
من الحكمة إلى الصبر ومن الصبر إلى النصر
إن المريخ في لحظةٍ مفصلية، إما أن يلتقط أنفاسه ويعود، أو يغرق في مستنقع التكرار والتبرير.
التغيير لا يصنعه الانفعال، بل تصنعه المراجعةُ الجادة، والقراراتُ المسؤولة، والإرادةُ الجماعية.
وأهلك العرب قالوا:
“من لم يُغيّر ما بنفسه، سيتقلّب على أوجاعه حتى تُغيّره الحياةُ عنوة”.
فلنُغيّر قبل أن يُغيّرنا العجز، ولنَنهض بالمريخ… فهو يستحق أن يكون حيث يجب أن يكون.
والله المستعان.
