وسط الرياح

اتحاد “البلع”.. كرة القدم السودانية بين عشوائية القرار وصدف القدر

عدد الزيارات: 21٬002

474أبو بكر الطيب

لم يعد من الممكن الحديث عن عشوائية الاتحاد السوداني لكرة القدم بلغة التلميح أو الغمز، فقد تجاوز هذا الكيان – بكل أسف – مرحلة الأخطاء إلى التأسيس لنمط من الفشل المنهجي، تكرّسه قرارات متخبطة، وتُباركه ثقافة “الارتجال المؤسسي”. وآخر حلقات هذا الفشل ما نشهده من مسلسل تأجيلات “دوري النخبة”، الذي بات مادة للسخرية أكثر من كونه منافسة رياضية محترمة.

نهج بلا بوصلة: حيث يغيب العقل وتُحكم الصدفة
في مؤسسة يُفترض أن تدير النشاط الكروي لأمة كاملة، يُفترض أن تكون للقرارات وزنها، وللجداول اعتبارها، وللظروف حسابها. لكن في الاتحاد السوداني، لا شيء من هذا يحدث. بدلاً من أن يقود الاتحاد دفة التخطيط الرياضي وفق رؤية دقيقة ومتسقة، نراه يغرق في ردود الأفعال، ويترك مصير الأندية، واللاعبين، والجماهير، مرهونًا للصدف والتقديرات السطحية.

كل قرار يُتخذ بلا دراسة، وكل جدول يصدر بلا مراجعة حقيقية للمعطيات، ثم يُبتلع لاحقًا بلا خجل. وهكذا أصبحت الإدارة مجرد غرفة عمليات لإطفاء الحرائق التي أشعلتها بنفسها. فمتى كانت الاحترافية تعني أن يكتشف المسؤولون بعد إصدار الجدول أن هناك “عيدًا” أو “مشاركة دولية” للأندية؟ هذه ليست مفاجآت، بل معطيات أساسية يُفترض أن تكون في صميم أي تخطيط أولي.

رئيس اللجنة في مرمى النقد: تصريح يفضح لا يبرر
حين يخرج رئيس لجنة المسابقات، الأستاذ طارق عطا صالح، ليبرر تأجيل دوري النخبة بـ”ارتباطات الأندية”، فهو لا يدافع بل يدين. إن كان يعلم بتلك الارتباطات مسبقًا ولم يأخذها بالحسبان، فتلك كارثة. وإن لم يكن يعلم، فالكارثة أعظم. إذ كيف يمكن لمسؤول بهذا الموقع أن يعمل خارج نطاق المعلومة، دون تنسيق داخلي أو خارجي، في زمن تتوفر فيه كل المعلومات بضغطة زر؟

هذه ليست إدارة رياضية بل نوع من العبث المنظم، حيث تُترك أهم ملفات كرة القدم لتقديرات ارتجالية، وتُصاغ الجداول بذهنيات تقليدية لا تختلف عن “لجنة الحي” التي تنظم دورة رمضانية.

ثقافة “البلع”: من ظاهرة إلى منهج
أصبح الاتحاد السوداني يستحق عن جدارة وصف “اتحاد البلع”، لأن من يتابع قراراته يلحظ نمطًا متكررًا: إعلان أولي – ضغط واقع – تراجع مهين – لا مساءلة ولا مراجعة.

هذه ليست مجرد تصرفات فردية، بل ثقافة متجذرة في طريقة التفكير المؤسسي، حيث تُدار كرة القدم بعقلية “نجرب ونشوف”، ويُبتلع الخطأ دون اعتراف أو تصحيح.

وهنا لا بد من التذكير بأن الرياضة اليوم لم تعد مجرد تنافس محلي، بل هي صناعة دقيقة تعتمد على علم الإدارة، والتخطيط الاستراتيجي، والحوكمة، والانضباط الزمني. فكيف تنهض اللعبة في ظل اتحاد لم يستطع حتى الآن ضبط رزنامة موسمه دون عثرات؟

أثر هذا التخبط على اللعبة واللاعبين
إن ما يفعله الاتحاد لا يضر بالمظهر العام للكرة السودانية فحسب، بل يضرب عمقها الفني والنفسي.
اللاعب الذي لا يعرف متى سيلعب، والمدرب الذي لا يستطيع بناء خطة إعداد مستقرة، والجمهور الذي يُعامل ككائن ثانوي في المشهد… هؤلاء جميعًا هم ضحايا لاتحاد لا يُجيد سوى إصدار الجدول وابتلاعه.

بل إن الأندية نفسها أصبحت تُدير مشاركاتها الخارجية بمجهود فردي، دون دعم حقيقي من الاتحاد، بل وأحيانًا بتضارب مباشر مع قراراته العشوائية. فكيف نتوقع نتائج جيدة في البطولات الخارجية ونحن لا نعرف حتى كيف نُبرمج دورينا المحلي؟

إلى أين؟ ومن يُنقذ البوصلة؟
الحديث عن “موسم استثنائي” و”عودة النشاط للداخل” يظل مجرد طلاء تجميلي لا يُخفي التصدع الحقيقي في بنية القرار الرياضي. لا يمكن إحداث نهضة كروية في السودان ما لم يتم الاعتراف أولًا بأن المشكلة هي في القيادة، وفي عقلية إدارة الكرة وليس في الكرة نفسها.

نحتاج إلى اتحاد يشتغل بمنهج لا بمزاج، يستند على قاعدة بيانات واضحة، ومركز قرار يحترم الزمن واللوائح، ويضع مصلحة اللعبة فوق اعتبارات الكراسي والتكتيكات الانتخابية.

إن الإصلاح يبدأ من وضع حدّ لثقافة “البلع” والاستخفاف، ومن خلق بيئة تُحاسب المسؤول وتُشرك المجتمع الرياضي في اتخاذ القرار، لا أن يُدار الأمر بعقلية القلة التي تحتكر السلطة والمعرفة والقرار، وتُنتج الفشل في كل دورة.

وأهلك العرب قالوا:
البَعْرُ دليل البعير، والسير دليل المسير
والله المستعان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
XFacebookYoutubeInstagram
error: محمي ..