وسط الرياح

رجيتك وفي انتظار عينك كملت الصبر كله

عدد الزيارات: 21٬004

474

أبو بكر الطيب

مشهد النهاية المرتقبة
حين يتحدث المسؤول بلسان المغادر، ويبرّئ نفسه قبل إصدار الحكم

مدخل:
متى يتحدث المسؤول بغير ما يقول؟
في المؤسسات الرياضية، لا تُقاس المؤشرات دائمًا بما يُقال، بل بما يُراد أن يُفهم من خلف الكلمات. والتصريحات التي تُطلق في لحظات الأزمة كثيرًا ما تكون مليئة بالإيحاءات، أكثر من امتلائها بالمواقف المباشرة.
وقد جاء تصريح السيد عمر النمير، رئيس نادي المريخ، في لحظة حرجة يمر بها النادي، ليطرح أكثر مما يصرّح، ويفصح عما بين السطور أكثر مما يعلنه نصًا. فما الذي يقوله هذا التصريح فعلًا؟ وما هي مآلاته المحتملة في المشهد المريخي المرتبك؟

ما وراء كلمات النمير: تحليل دقيق للمشهد الخفي

1. تبرئة الذمة… تمهيد للخروج الآمن
افتتح النمير تصريحه بجملة:
“أعتقد كده الأمور واضحة. الإدارة فعلت كل ما بوسعها ولم تقصّر.”
هذه الجملة ليست توصيفًا للواقع فقط، بل هي بمثابة شهادة براءة مسبقة يطلب بها المسؤول أن يُحاسَب على “محاولة الأداء”، لا على النتائج. وهي بداية كلاسيكية كثيرًا ما يسبق بها المسؤولون إعلان مغادرتهم.

2. تشظّي المسؤولية: لا أحد مذنب… إذن لا أحد مسؤول؟
بقوله:
“هل المشكلة تكمن في اللاعبين أم المدربين؟”
يدخل النمير في دوامة السؤال المفتوح، التي كثيرًا ما تُستخدم لتفتيت المسؤولية. فبدل أن يحدد المسؤول مواضع الخلل في الأداء الفني أو الإداري أو الاستراتيجي، يطرح الأسئلة كأنه مراقب لا فاعل، وكأنه يدعو الآخرين للإجابة نيابة عنه. وفي هذا إشارة ضمنية إلى أن الأمور قد خرجت من نطاق صلاحياته أو تحكمه.

3. تهيئة الرأي العام لغياب طويل الأمد للحلول
“الفريق يعاني من مشكلة حقيقية وتحتاج إلى وقت طويل لعلاجها…”
“رفض اللاعبون المعارون العودة…”
“لا يمكننا إضافة لاعبين وطنيين…”
بهذه العبارات، يرسم النمير صورة قاتمة، لا عن موسم صعب، بل عن حقبة ممتدة من المعاناة. وفي مثل هذه الرسائل، تكون الخلاصة الواضحة: “لا تنتظروا منا أكثر، الوضع أكبر من إمكانياتنا.”

4. التمنّي المستقبلي… من موقع المتفرّج
“أتمنى التسجيلات القادمة تكون أفضل كثيرًا…”
الحديث بصيغة “التمنّي” لا يُستخدم عادة في التصريحات الرسمية لرئيس نادٍ مسؤول عن ملفات التسجيلات نفسها، بل في تصريحات من هم خارج دائرة الفعل. وهذا يعزّز القراءة بأن النمير يتحدث من موقع من يرى نفسه خارج دائرة القرار في التسجيلات القادمة.

استنتاج تحليلي: هل يغادر النمير؟
كل المؤشرات داخل التصريح توحي أن السيد عمر النمير لا يرى نفسه ضمن قيادة مستقبلية قريبة لنادي المريخ. بل إن كل جمله تُصاغ بلغة من سلّم الشعلة، أو أُجبر على وضعها جانبًا.
هو لا يعلن استقالة، لكنه “يؤسس لها لغويًا ونفسيًا”، لتهيئة القاعدة الجماهيرية لقبول غيابه دون موجة غضب أو محاسبة. والأرجح، إن لم تحدث مفاجآت، أن يُعلن انسحابه رسميًا أو يُزيّنه بعبارة مثل: “لن أكون عقبة أمام الإصلاح…” أو “سأمنح الفرصة لغيري…”

رؤيتنا وتوصيتنا: من يقرر الرحيل… فليقلها بوضوح
يستحق جمهور المريخ من إدارة النمير أن تكون واضحة في مواقفها، لا أن تتركهم يقرؤون “بيانات الاستقالة” من بين الأسطر.
التصريح الأخير يكشف عمق الأزمة، لا فقط في ملف اللاعبين، بل في شجاعة القرار. فإذا كان النمير يرى أن الوقت ليس وقت حلول، فعليه أن يُفسح المجال لمن يؤمن بأن الوقت دائمًا وقت صناعة الفارق.
وفي المقابل، إن كانت لديه رغبة في الاستمرار، فعليه أن يتحدث بلغة القائد لا المتفرّج، ويعلن خطة مواجهة، لا خطة انسحاب مغلّف بالتمنّي.

وأهلك العرب قالوا:
“من لم يُحسن الصبر على مرارة القرار، سيطيل المقام في فوضى التردد.”

ولما راح زمن جيتك وخطاك في دربي ما طلوا
شفقت عليك من السكة
دموع عيني وراك كملوا

والله المستعان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
XFacebookYoutubeInstagram
error: محمي ..