وسط الرياح

الدنكشاطيون الجدد.. داء الواجهة والمصلحة في العمل العام

عدد الزيارات: 21٬001

474

أبو بكر الطيب

في كل مجتمع، يظهر من يمكن أن نطلق عليهم “الدنكشاطيون الجدد”؛ أشخاصٌ يحاربون لأجل الظهور، لا لأجل الإنجاز، ويخوضون معارك وهمية ضد كل مشروع لا يأتي من جهتهم، في مشهدٍ يذكّرنا بـ”دون كيشوت” حين قاتل الطواحين ظنًا أنها وحوشٌ عملاقة.

لا بدّ أن نُميّز بين من يتقدم الصفوف خدمةً للناس، وبين من يتقدمها سعيًا إلى الغنائم. فهناك من يعمل لأجل الصالح العام، وهناك من يقاتل فقط إذا كان النصر باسمه، والراية في يده، والمجد محسوبًا عليه. وما إن يُحرموا من ذلك، حتى يتحولوا إلى خصومٍ شرسين، يقفون على خط المواجهة لا لشيء سوى أن المشروع لم يمر عبر أيديهم.

نحن هنا أمام ظاهرة اجتماعية خطيرة تعيق العمل الجماعي، وتفتك بروح التعاون، وتُفرغ النوايا من صدقها. فبعض الناس لا ينكرون المعروف، بل يحاربونه إن لم يكن بأيديهم.

ازدواجية في الدوافع.. بين الواجهة والمصلحة

هذه الفئة تنقسم في الغالب إلى قسمين رئيسيين، وكلاهما وجهان لعملة واحدة تُفقد العمل العام نقاءه:

1. “عبّاد الواجهة والبريق”:
هؤلاء لا يدخلون إلا حيث الأضواء. هدفهم أن يُقال “فلان فعل”، ولو لم يفعل. يحبون أن تُحجز لهم الصدارة في كل محفل، وأن تُعلَّق صورهم في كل منشط، وإن تجاوزهم الناس إلى من هو أقدر وأصدق، انتفضوا وانتقدوا، لا حرصًا على المصلحة العامة، بل نكايةً في مَن خطف منهم بريق الظهور.

2. “سماسرة المصلحة والمنافع”:
هؤلاء أخطر. هم من يرون في العمل العام بابًا للربح، لا سُلّمًا للعطاء. يتسلّلون إلى كل رابطة، وكل اتحاد، وكل لجنة، ليتساءلوا: أين الربح؟ أين الميزانية؟ أين التعيينات؟ وإن لم تُفتح لهم الأبواب، أغلقوها في وجه الجميع. يضربون تحت الحزام، ويخربون قبل أن يُبنى.

في السياق الرياضي: موسم الدنكشاطيين

في المجال الرياضي، تتجلى هذه الظاهرة أكثر ما يكون عند المواسم الانتخابية، حيث تتحول المنافسة الشريفة إلى سوق نخاسة. ترى الوجوه تتبدل كما تتبدل القمصان، وتُباع الأصوات، وتُشترى الولاءات، ويصعد إلى المنصات من لا يفقهون شيئًا في الشأن الرياضي، لكنهم بارعون في اصطياد المقاعد.

بعضهم لا يُقيم وزنًا للكفاءة ولا يُؤمن بالخبرة، بل يحتكم إلى سماسرة الأصوات، ويعتبر الفوز بوابةً للمخصصات والسفر والمنافع. والأسوأ أن هؤلاء إذا خسروا، عادوا بكل غلّهم إلى الساحة، يفسدون ويعطّلون، ويسحبون الدعم، ويصنعون الأزمات، في مشهدٍ يختصره لسان حالهم: “إن لم أحكم، فليحترق الملعب بمن فيه.”

الحل؟ مناعة داخلية وشفافية خارجية

لمعالجة هذا الداء المتفشي، لا بد من زرع ثقافة جديدة تقوم على:

“الوعي الجماعي”: أن العمل العام ليس وسيلة للوجاهة أو بابًا للثروة، بل هو أمانة ومسؤولية.

“آليات اختيار شفافة”: تُمكّن أهل الكفاءة، وتُقصي المتسلّقين وسماسرة المنافع.

“مساءلة جادة ومستمرة”: من دخل ليخدم لا يخشى الشفافية، ومن دخل لمآربه، فستنفضحه أول تجربة حقيقية.

وأهلك العرب قالوا:

“ما كلّ ناطقٍ فصيح،
ولا كلّ يدٍ تعمل هي يدٌ تبني،
وربّ كلمةٍ رفعت صاحبها،
وربّ كرسيٍ قصم ظهر راكبه.”

والله المستعان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
XFacebookYoutubeInstagram
error: محمي ..