نداء الزعيم وهدم البنيان!!
أبو بكر الطيب
يحتاج المريخ اليوم إلى وقفة شجاعة للاعتراف بأن المرحلة الراهنة لا تُحتمل الإدارة التقليدية المبنية على العلاقات الضيقة أو الوعود الفارغة، بل تتطلب ضمان اختيار الكفاءات الإدارية والفنية حصرًا بناءً على سجلها وخبرتها الملموسة في كرة القدم وإدارة الأندية أو الأكاديميات، بعيدًا عن أي اعتبار آخر. وفي الوقت نفسه، لا ينبغي استمرار هدر الموارد في صفقات غير مدروسة أو التزامات مالية لا تستند إلى خطة واضحة لتعويض الثغرات الحقيقية في تشكيل الفريق، بل يجب تدقيق كل بند مالي واستثمار عائدات بيع اللاعبين وفق معايير فنية موضوعية تخدم الأهداف الفعلية للفريق.
استقدام الخبراء الحقيقيين الذين نجحوا سابقًا في بناء فرق أو تطوير مواهب مع تهيئة بيئة عمل تحميهم من تدخلات تعرقل مسارهم أمرٌ حتمي، إذ إن التداول السريع للأجهزة الفنية واللاعبين بلا رؤية ثابتة يدل على أن القرار لا يُتخذ على مقاييس فنية رصينة، بل أحيانًا بناءً على مراوغات ومصالح جانبية تضر بمصلحة الزعيم العليا. وإلى جانب ذلك، لا يمكن أن ينجح الإصلاح دون إشراك الجماهير في المتابعة والمساءلة عبر قنوات شفافة وصريحة يشعرون فيها بأن صوتهم مسموع وتأثيرهم حقيقي؛ فالمريخ ملك لجماهيره التي تستحق معرفة معايير اتخاذ القرار ومتابعة تطبيقها، إذ إن الشفافية والصراحة في التواصل تخفف الاحتقان وتعيد الثقة تدريجيًا.
وتتبلور بعد ذلك رؤية واضحة قصيرة وطويلة المدى، تُحدد أهدافًا قابلة للقياس، بدءًا من تحسين النتائج محليًا وقاريًا إلى تطوير قطاع الناشئين وزيادة الإيرادات وتعزيز تجربة المشجع في الملعب وخارجه. لا يكفي وضع هذه الرؤية على الورق، بل يجب أن تُرافقها مؤشرات أداء دورية تتابعها جهة مختصة لا تنتظر نهاية المواسم لتقييم الأداء، بل تنبّه مبكرًا لأي انحراف. وفي الوقت ذاته، ينبغي تضمين آلية واضحة للمساءلة تُلزِم باستبدال القيادات أو الكوادر التي تثبت إخفاقها المتكرر، بعيدًا عن وجوه تحمل أساليب سابقة، لضمان عدم تكرار المعوقات وإجهاض فرص التقدم.
هذا التكامل المتناغم بين المهنية في صنع القرار، والشفافية الكاملة في الموارد، والاستقدام المبني على الدليل، وإشراك الجماهير، والعمل برؤية قابلة للمتابعة مع آليات فعالة للمساءلة، هو السياق المتكامل الذي يعيد للمريخ مكانته الطبيعية كزعيم للكرة السودانية.
وبالنظر إلى أن كثيرًا من الأندية السودانية يواجهون تحديات مشابهة من محدودية الموارد، وضغوط العلاقات الشخصية، وضعف الأطر الاحترافية، فإن نجاح المريخ في هذا الإصلاح يمكن أن يكون نموذجًا يُحتذى به. لكن خصوصية نادي بحجم وجماهيرية المريخ تجعله تحت مجهر أكبر، وبالتالي يتحمل مسؤولية أكبر لقيادة المثال العملي. فإذا أُتُّخذ نداء الزعيم على محمل الجد، وعُملت هذه الخطوات ككلٍ واحد مترابط، فلن يعود المريخ إلى الأمجاد شعارات فحسب، بل واقعًا ملموسًا يعكس تاريخ الجماهير العريق وروح الزعامة الحقيقية.
وأهلك العرب قالوا:
مَتى يَبلُغُ البُنيانُ يَوماً تَمامَهُ
إِذا كُنتَ تَبنيهِ وَغَيرُكَ يَهدِمُ
والله المستعان.
