الهيمنة الزائفة

أبو بكر الطيب
تصريحات أسامة عطا المنان.. النظام الأساسي الذي يُفصَّل على مقاس السيطرة
في المشهد الرياضي السوداني المأزوم أصلًا، جاءت التسجيلات الصوتية المنسوبة لنائب رئيس الاتحاد السوداني لكرة القدم، أسامة عطا المنان، كشرارة أشعلت فتيل أزمة جديدة، ولكنها هذه المرة تمس جوهر العلاقة بين الاتحاد العام والأندية والاتحادات الولائية.
ففي تلك التسجيلات، تحدث عطا المنان – حسب ما نُقل – عن ترتيبات تمت بينه وبين لجنة وساطة ممثلة لأندية الخرطوم، تتضمن تشكيل لجنة تسيير لاتحاد الخرطوم بموافقة وترشيحات الوساطة، وبإضافة شخصيات أخرى يراها الاتحاد مناسبة. لكن ما أثار الذعر أكثر، هو حديثه عن أن النظام الأساسي الجديد للاتحاد يمنح الاتحاد العام الحق الكامل في تشكيل لجان تسيير لأي نادٍ أو اتحاد، بدعوى أنه “لم يُجز نظامه الأساسي”، وبالتالي هو تابع للاتحاد العام بحكم القانون.
هذه العبارات، إذا صح صدورها، لا يمكن أن تمر مرور الكرام، لأنها تشير إلى ما يشبه الانقلاب القانوني على مبدأ الاستقلالية المؤسسية، الذي يُعد حجر الزاوية في الفيفا وكل المنظومات الرياضية الدولية. بل ويبدو أن الاتحاد العام – بحسب هذه الرواية – لم يكتفِ بسلطته التنظيمية المعتادة، بل يسعى لتوسيعها لتشمل التدخل المباشر في إرادة الأندية وتشكيل هياكلها القيادية، من خلال تبرير قانوني مفصّل مسبقًا لهذه الغاية.
مخاطر هذه التصريحات على بنية الحركة الرياضية
إذا افترضنا جدلًا أن ما قيل يعكس حقيقة ما يجري داخل أروقة الاتحاد السوداني لكرة القدم، فإن التداعيات ستكون كارثية:
-
تفكيك استقلالية الأندية والاتحادات المحلية
تحويل الاتحاد العام إلى سلطة تنفيذية لها يد طولى في كل المستويات الإدارية، يجعل من باقي المكونات وحدات تابعة فاقدة للقرار. وهذا يتناقض صراحة مع لوائح الفيفا التي تنص على استقلال الكيانات الرياضية المحلية. -
قانون بمقاس الفاعل لا بمقتضى المصلحة العامة
ما يصفه عطا المنان من صلاحيات جديدة، يوحي بأن النظام الأساسي صُمم بتقنية “القص واللصق” لخدمة مراكز النفوذ داخل الاتحاد، لا لمصلحة اللعبة. وهنا نعود لمفهوم “قميص عامر”، الذي ارتداه الاتحاد في وقت سابق لتبرير تقديم الانتخابات وإقصاء من لا يناسب مشروعه السلطوي. -
تعويم النظام الأساسي كمطية للإقصاء السياسي والإداري
النظام الأساسي، في جوهره، يجب أن يكون ضامنًا للشرعية، لا أداة لسحبها. أما أن يُستخدم كسيفٍ مسلط على رقاب الاتحادات والأندية لفرض لجان تسيير، فهذا تلاعب خطير بهيبة النصوص، وتحايل مفضوح على المفاهيم القانونية. -
انهيار الثقة المؤسسية
حينما تدرك الأندية أن الاتحاد شريك غير مأمون في اللعبة الإدارية، فإن بيئة العمل الجماعي تتحول إلى مناخ من الشك والريبة والعداء، بدلًا من التكامل والتعاون. -
تدويل الأزمة في حال الطعن الخارجي
إذا ما لجأت أي من الأندية أو الاتحادات المتضررة إلى الفيفا أو محكمة التحكيم الرياضي (CAS)، فقد يجد الاتحاد نفسه في مرمى عقوبات مؤسسية، نظرًا لتناقض أفعاله مع المعايير الدولية للحوكمة الرياضية.
دور الإعلام والجمهور في التصدي
الإعلام الرياضي السوداني أمام مفترق طرق:
إما أن يكون جزءًا من معركة الدفاع عن نزاهة الرياضة واستقلال مؤسساتها، أو شريكًا بالصمت في مشروع إجهاضها. هذه المرحلة تتطلب:
-
مطالبة رسمية من الإعلام والرياضيين بكشف النظام الأساسي الجديد علنًا.
-
فتح منابر النقاش لاختصاصيين في القانون والحوكمة لتقييم الوضع.
-
مقاطعة كل قرار إداري مبني على مواد غامضة أو صيغت في الخفاء.
وقبل الختام:
من فصّل القوانين ليتحكم، سيُخنق بها لاحقًا.
هذه التصريحات، إن صحَّت، لن تكون مجرد سقطة عابرة، بل ستُطارد أسامة عطا المنان وتُسجل في تاريخه كرئيس سعى للهيمنة على المؤسسات عبر بوابة النصوص القانونية، لا عبر الإجماع والمشروعية.
وقد أثبت التاريخ أن من يسعى لاحتكار السلطة “بالحيلة القانونية” يفتح على نفسه أبواب الفوضى القانونية.
وأهلك العرب قالوا:
“إذا فسد الملح، فبماذا يُملَّح؟”
والله المستعان.
