تسيير بالأحلام وتبرير بالقرآن

أبو بكر الطيب
متى يفيق ظلوط من أحلامه؟!
لقد وقفنا على البيان الصادر من مجلس إدارة اتحاد الخرطوم المحلي لكرة القدم بتاريخ “13 يونيو”، وهو بيان ظاهره الحرص والمسؤولية، وباطنه المراوغة والتجاوز. حمل بين سطوره آياتٍ كريمة وشعاراتٍ وطنية، أراد بها صانعوه أن يكسوا الباطل بثوب الحق، وأن يُسكتوا القانون بزخرف القول، لكننا نعلم ـ ويعلم المنصفون ـ أن الأمانة لا تُختزل في الكلمات، وأن المسؤولية لا تُمارَس بتجاوز القضاء.
والمسؤولية الحقيقية هي احترام القضاء لا تجاوزُه.
نعم، “إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها”، فهل أُدِّيَتْ سابقًا حتى نؤدّيها لاحقًا؟
لكن الأمانة هنا ليست بالادعاء ولا بالتزيين، بل بالخضوع للقانون، والانقياد لأحكام القضاء، والوفاء بالعهد مع الأندية التي أولت ثقتها لمن يمثلها. وإننا لنسأل: هل من كتب البيان، أو من صاغ “خارطة الطريق”، قد التزم بهذه الأمانة، أم أنه اختار أن يركب صهوة التجاوز والمخاتلة؟
إن احترامنا لمقام النصوص القرآنية لا يجعلنا صامتين حين تُستخدم لستر باطلٍ ظاهر، أو لتمرير “لجنة تسيير” لم يأت بها حقٌ ولا قانونٌ، وإنما فرضها “التفاهم” و”التقاطع” و”المصلحة”، لا غير.
بين المجد الحقيقي والتاريخ المزيف
يتحدث البيان عن “جمعية تاريخية”، و”مجد صنعه التلاحم”، و”بطولات المواقف”… فليكن.
لكن هل يُبنى المجد على نكران القانون؟ وهل تُكتب الصفحات المشرقة بتجاهل أحكام القضاء؟
لو أن كل من وجد “تقاطعات” قرر أن يتجاوز الشرعية، لتحوّلت المؤسسات إلى أسواقٍ للترضيات، وليس منابر للحكم الرشيد.
فالمواقف العظيمة لا تُقاس بالشعارات، بل بالامتثال للقانون، والتمسك بالمبادئ، لا بتجاوزها باسم “الوطنية” و”الضرورة”.
إذا تكلم المجنون فالمستمع عاقل،
وإذا جَهِلَ علينا البعض فإنّا نجهلُ فوق جهلِ الجاهلينا.
فليُدرك أصحاب البيان أن تضليل الناس ليس بطولة، واستغفال العقول ليس سياسة، وأن زمن “تزيين الخديعة” قد ولّى، وما عاد الناس يبتلعون الأكاذيب المستحيلة “الصنع”، ولا يتغافلون عن الكذبة حين تصير أكبر من قدرة الواقع على احتمالها.
خارطة الطريق: وثيقة نوايا لا تلغي القانون
لقد كشف البيان عن تفاهمات جرت بين مجلس الاتحاد، ولجنة الوساطة، والاتحاد السوداني، وادّعى أن “الحاكمية” في تعيين اللجان أصبحت للاتحاد العام.
هذا الادعاء يكشف أحد أخطر مظاهر التعدي على القانون:
- إن قرارًا قضائيًا نافذًا لا يُلغى بجلسة تفاوض، ولا بورقة “خارطة طريق”.
- الاتحاد العام لا يملك قانونًا أن يعين لجنة تسيير لاتحادٍ محلّي مستقل، إلا إذا كانت هنالك حالة قانونية مبررة ومنصوص عليها في القانون ومعلنة، وفقًا للإجراءات المحددة في النظام الأساسي والقوانين ذات الصلة.
- لجنة الوساطة ليست جهة قضائية، ولا تملك أن تُلغي شرعيةً قائمة، أو تمنح شرعيةً لمجموعة فقدتها.
وبالتالي، فإن ما ورد في البيان ليس أكثر من أحلام يقظة، تفتقر للسند القانوني، وتحاول شرعنة ما لا يُشرعن. هي محاولات للتجاوز على أمل أن يصمت الجميع، لكن هيهات.
السكوت عن الكذبة… خيانة للوعي
أيها الإخوة في الأندية، لا تكونوا شهود زورٍ على جريمة تجاوز القانون. قد نفهم سكوت البعض في مواطن الاضطرار، أو خضوعهم للمجاملات والضغوط، لكن متى ما بلغت الكذبة هذا الحد من الوقاحة، اصرخوا ولو من باب الدهشة!
قولوا لهم:
“لقد أكثرتُم من المحلبية… أليس فيكم رجل يفيق من غيه؟”
احترام العقول واجب، والكذب على الناس جريمة فكرية لا تقل خطرًا عن أي مخالفة قانونية.
زمن القانون: لا وصاية فيه للمصالح
نقولها بوضوح: هذا زمن سيادة القانون، ولا مكان فيه لمن يتعالى عليه، أو يعتقد أن النوايا تُغني عن المشروعية.
الشرعية لا تُمنح في الجلسات، ولا تُولد من العبارات المنمقة، بل تُكتسب باحترام الأحكام القضائية، والالتزام بالنظام الأساسي، والإقرار بحق الأندية في إدارة اتحادها بعيدًا عن الترضيات والصفقات.
إن كل محاولة لعقد جمعية عمومية غير شرعية، أو تمرير تعديلات لا تستند لقواعد النظام الأساسي، أو تعيين لجان عدلية دون تفويض قانوني صحيح، هي إجراءات باطلة من الناحية القانونية، ميتة من لحظة ولادتها، لا تصمد أمام الطعن ولا التاريخ.
وقبل الختام: الوعي سلاحنا، والقانون ملاذنا
لن تنهض رياضتنا ما لم تُحترم عقول الناس، وتُصان المؤسسات من عبث الطامعين في السلطة دون أهلية، ولتعلموا أن الوطن والرياضة لا يُبنيان بالأحلام الزائفة ولا بالكلمات الجوفاء، وإنما على صرحٍ من العدل والسيادة القانونية.
وأهلك العرب قالوا:
“من يتابع الدجاج بمشي الكوشة،
ومن جار قصم، ومن حكم بالهوى ندم.”
ولكم في القانون عز، وفي الحق ملاذ، وفي كسر الزيف شرف.
أما أحلام ظلوط… فلا تصنع واقعًا، ولا تبني شرعية.
والله المستعان
