وسط الرياح

شرعية مهزوزة وعدالة مغيبة!

عدد الزيارات: 21٬004

474

أبوبكر الطيب

لم تعد أزمة ود نوباوي مع الاتحاد السوداني لكرة القدم مجرد “خلاف انتخابي” أو “احتجاج على نصّ أو فقرة”، بل تجاوزت ذلك لتصبح مرآةً عاكسة لأزمة بنيوية أعمق، عنوانها “التحايل على القوانين”، و”خنق الشفافية”، و”صناعة شرعية هشة لا تقوى على الصمود أمام مبادئ العدالة الرياضية”.

ما نشهده اليوم ليس زلةً إجرائية، بل حالة منظّمة من الانحراف المؤسسي، حيث تُفصَّل الأنظمة على المقاس، وتُحجب المعلومات عمدًا، وتُمارَس سلطات اللجان بطريقة تثير أكثر من علامة استفهام.

أولًا: شرعية معلّقة بلائحة غير مُجازة!
لعل أبرز ما يثير الغضب والاستهجان، أن العملية الانتخابية الأخيرة جرت استنادًا إلى لائحة انتخابية لم تتم إجازتها من الجمعية العمومية المختصة، ولم تصدر بموجب اجتماع قانوني. هذا خرق لا يطال الشكل فقط، بل ينسف جوهر المشروعية من أساسه.
فكيف يُبنى بيت الديمقراطية على أساس لم توافق عليه الجهة المخوّلة؟ أليست الجمعية العمومية هي صاحبة الحق الأصيل في تعديل أو إقرار اللوائح؟
ما جرى يُعد فضيحة إجرائية بكل المقاييس، ويؤكد أن “اللوائح” لم تكن سوى أداة لإضفاء شرعية شكلية على إجراءات مشوّهة.

ثانيًا: معايير مزدوجة… وعدالة بمكيالين!
المثير للسخرية والاشمئزاز في آنٍ واحد هو أن بعض المرشحين قد استُبعدوا من السباق لعدم استيفائهم شروط الترشح – لا لشيء إلا لأنهم لا ينتمون للمعسكر “المرضي عنه”.
أحدهم رُفض ترشحه لأنه “غير منتخب” في ناديه، ثم، وبنفس الحجة، انسحب مرشح آخر. لكن ماذا عن مرشحين آخرين في نفس المسار لا تنطبق عليهم ذات الشروط، ومع ذلك تم قبولهم؟
أليست العدالة أن يُعامل الجميع على قدم المساواة؟ أم أن “مقعد الولاية” صار مقعدًا سياديًا يُعطى بالمحاباة، ويُمنع بالانتقائية؟
لقد تم انتهاك المادة (40) من النظام الأساسي بدمٍ بارد، وتمت التضحية بمبدأ تكافؤ الفرص على مذبح الولاءات الضيّقة.

ثالثًا: تغييب متعمّد للمعلومة.. ومنصّات الاتحاد تتحوّل إلى دكاكين!
رغم الحديث المتكرر عن “الحوكمة” و”الشفافية”، نكتشف أن لائحة الانتخابات لم تُنشر على الموقع الرسمي للاتحاد إلا قبل يومٍ واحد فقط من إعلان الجدول! بل تم تسريبها عبر “قروبات واتساب” في سابقة تثير السخرية.
هل نحن أمام هيئة رياضية محترفة، أم إدارة عشوائية تُدار برسائل الموبايل؟
أين تكافؤ الفرص؟ أين حق الأندية في الاطلاع المسبق؟ أم أن التعتيم هو الوسيلة الوحيدة لتمرير ما لا يمكن تمريره تحت ضوء القانون؟

رابعًا: لجنة الطعون.. حين تصمت العدالة
الصدمة الكبرى جاءت من لجنة الطعون، التي تجاهلت بشكل فج جوهر الاعتراضات المقدمة.
لم تُجب على بطلان اللائحة، ولا على التعديلات غير المجازة، ولا على المعايير المزدوجة. اكتفت ببيان مقتضب، بارد، كأنها تُمارس الحد الأدنى من “أداء الواجب”، لا وظيفة الفصل القضائي.
فهل هذه لجنة طعون؟ أم مجرد “لاصق” لتغطية الجروح العميقة في جسد العملية الانتخابية؟

وقبل الختام:
لا بد من المحاسبة.. ولا صوت يعلو فوق صوت الحق.
إن ما حدث في انتخابات الاتحاد السوداني لكرة القدم ليس خطأً يُعتذر عنه، بل سلسلة من التجاوزات التي تستدعي محاسبة، وإعادة نظر شاملة في آليات صناعة القرار داخل الاتحاد.
إن التهاون في احترام النظام الأساسي، والتلاعب باللوائح، والتطبيق الانتقائي للمعايير، والتعتيم الإعلامي، والردود الهزيلة من لجنة الطعون – كل ذلك يشير إلى واقع مؤسف لا يليق بمؤسسة يُفترض أن تقود كرة القدم في البلاد.

وكمتابع، أجد نفسي مضطرًا لرفع الصوت عاليًا: هذه ليست انتخابات، بل مسرحية مرتبة، ضُربت فيها مبادئ الرياضة في مقتل.
وإن لم يُعالج هذا الخلل المؤسسي، فسيظل كل نصر إداري بلا معنى، وكل مشروع رياضي محكومًا عليه بالإجهاض قبل الولادة.

إن كرة القدم السودانية لا تحتاج إلى “ترقيع”، بل إلى جراحة عميقة تعيد الروح إلى مؤسساتها، وتحرّرها من القبضة الخفية التي تديرها كأنها تركةً خاصة.

وأهلك العرب قالوا:
“من ساس قومًا فغشّهم، لم يرح رائحة الجنة، ومن ضيّع الأمانة، فلا عهد له ولا ذمة.”
فأي أمانة بقيت؟ وأي رياضة نرجو إن كانت الانتخابات تُحسم بالقش والخداع لا في ميادين التنافس الشريف؟

والله المستعان.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
XFacebookYoutubeInstagram
error: محمي ..