الدكتور والعشاء الأخير.. عبء التوقعات وخيبة القيادة!

أبو بكر الطيب
في لحظةٍ مفصلية من تاريخ الرياضة، كان الوسط الرياضي يترقّب بشغف موجة تغييرات تخرجه من نفق المصالح الضيقة، والتكتلات البالية، والتجريب الممل الذي كبّله طويلًا.
وكان الأمل أن تأتي قيادة جديدة، بعقلٍ علمي، وفكرٍ منظم، ونَفَس إصلاحي يعيد الهيبة للاتحاد السوداني، وللرياضة والرياضيين.
وعلى رأس الأسماء المتداولة حينها، بزغ اسمٌ حمل كثيرًا من التوقعات:
دكتور، رجلٌ بملامح الوقار، وسيرةٍ أكاديمية ومالية لامعة، بدا كما لو كان الوصفة السحرية المنتظرة.
تُوج بآمال الإصلاح، وتُليت عليه خطب التغيير، وسُلطت عليه أضواء المنتظرين لعودة الرياضة إلى مسارها الصحيح…
لكن سرعان ما اكتشف الجميع أن الدكتور، رغم كل أدواته ومؤهلاته، لا يجيد إلا فنّ التردد الأنيق، والتراجع الصامت!
هو شخص مهذب، أنيق، دقيق في ملاحظاته، بارع في تحليل الواقع وتشخيص علله… لكنه في نهاية الأمر لا يفعل شيئًا يُذكر!
القرارات تُصنع حوله، الأحداث تتسارع من حوله، بينما هو غارق ومنتظر في أوراقه وتحليلاته وقراراته المؤجلة، عاجز عن اتخاذ موقف حاسم، أو قول كلمة فاصلة.
الخلل في الجوهر لا في الشكل
ما ينقص الدكتور ليس الإمكانيات، بل تلك “الشرارة القيادية” التي تُلهم الآخرين وتُحرك الساكن.
هو باختصار، يعرف الكثير… لكنه لا يقنع أحدًا، يرى الخلل… لكنه لا يواجهه، يملك الرؤية… لكنه لا يملك الشجاعة لنقلها من الورق إلى الواقع.
وفي وسطٍ رياضي صاخب، لا يكفي أن تكون مهذبًا ومحترمًا، بل يجب أن تكون حاضرًا ومبادرًا، قادرًا على خوض المعارك من أجل المبدأ، لا من أجل المجاملة.
لكن الدكتور، عند كل مفترق طريق، يختار السلامة على المواجهة، والتحليل على القرار، والانتظار على التقدم.
فرصة ضائعة في زمن خاطئ
هكذا، خسرنا فرصة أن نرى صاحب العقل العلمي يتحول إلى قائد ملهم.
وبدلًا من أن يكون رقمًا صعبًا في معادلة التغيير، أصبح فراغًا مريحًا يُملأ بأصحاب الصوت العالي، والجرأة الزائفة، والمصالح الخاصة.
وأصبح الدكتور، رغم ثراء علمه وماله، شاهدًا على عبثٍ لا يملك له ردًّا، وشخصيةً رمادية تتلاشى كلما احتدم الموقف!
وقبل الختام:
إن خيبة الوسط الرياضي في الدكتور ليست خيبة في شخصه، بل في نموذجٍ متكرر من “القادة المؤجلين”… أولئك الذين يملكون كل شيء إلا الإرادة.
لكن الأخطر من ذلك، أن الفراغ الذي يتركه هذا الصمت يُغري المتمرسين، ويُنعش المتربصين، ويُفسح المجال لكل من يتقن لعبة المصالح وشهوة النفوذ.
ولذا، نخشى أن تُلتهم شخصية الدكتور بهدوء، ويُطوى ملفه بين “الجنينة والخرطوم”، حيث تبدأ المؤامرات في الأولى وتنتهي نتائجها في الثانية!
وأهلك العرب قالوا:
“إذا لم تكن ذئبًا أكلتك الذئاب، وإن لم تتكلم… تكلم عنك الصمت بما لا يرحم!”
والله المستعان
