وسط الرياح

بث بطولة على فراش الموت!

عدد الزيارات: 21٬003

474بث بطولة على فراش الموت!

أبو بكر الطيب

في زمنٍ تكسرت فيه الأحلام على صخور الواقع السوداني، وتبعثرت فيه آمال الرياضة بين مطرقة الإهمال وسندان الارتجال، يطل علينا ما يُعرف بـ “دوري النخبة” وكأنه بشارة خير… وهو في حقيقته إعلان وفاة مؤجل!
نعم، بطولة تُحتضر تُنقل على الهواء مباشرة! هل سمعتم بمثل هذا؟ هل رأيتم دوريًا يعيش تحت أجهزة التنفس الاصطناعي ثم يُؤتى به إلى شاشة قومية وكأنه إنجاز يُفاخر به؟!

تلفزيون السودان، الذي بالكاد يستطيع بث برامج وطنية تواكب الأحداث في كل مدن وقرى السودان دون معاناة وتعب، قرر أن «يتكرم» بنقل مباريات هذه النسخة الهزيلة من دوري لا يُشبه اسمه، ولا يمت بصلة لمعنى «النخبة»، إلا إذا كان المقصود به نخبة التخبط والفوضى!

▪ هل هي بطولة أم جنازة؟
هذه البطولة ليست ذروة المنافسة، بل ذروة المهزلة. هي كائن هزيل، يرتجف في أروقة المشهد الرياضي، ويعاني من فقر فني وتنظيمي، لا يُؤهله حتى ليُطلق عليه لقب «بطولة»، دعك من كلمة «نخبة» التي يُظلم بها معنى التميز والرقي.
فما الذي يدفع التلفزيون لخوض مغامرة بثها؟
• هل هي مجاملة فاضحة للاتحاد العام؟
• أم نزوة وطنية مأزومة تحاول إنعاش ما لا يُنعش؟
• أم أنه، كما يقول أهل السوق، «من كان له مال محيره… يشتري به حمام ويطيره»؟

▪ الاتحاد العام… ملك الإنكار!
أما الاتحاد العام، فلا يرى في المشهد سوى نجاح! وهذا بحد ذاته كارثة. اتحاد يغض الطرف عن غياب البنية التحتية، وتآكل الفرق، وضعف الحوافز، وانعدام الرؤية، ثم يتباهى ببطولة تُدار بعقلية السوق الشعبي!
فهل البطولة تُدار أم تُدارى؟ هل هي فعلاً مسابقة نخب أم مسابقة نحيب؟ وهل ما يُعرض اليوم على شاشة التلفزيون يُبشّر بمستقبل، أم هو مجرد ستر حال لمريض يحتضر؟

▪ الواقع لا يُزيَّن بكاميرا
الكاميرات لا تصنع بطولة. والعدسات لا تجمّل العجز. بل إنها تكشف العورات أكثر.
إن دوري النخبة في شكله الحالي لا يرقى لمستوى دوري أحياء… بل إن بعض دوريات القرى تنبض بالحياة والتنافس أكثر منه.

▪ الحقيقة المؤلمة
لن يعيد البث التلفزيوني الحياة لبطولة ميتة سريريًا.
بل إن عرضه بهذا الشكل لا يزيد إلا فضح واقعنا الرياضي المُزري، وتكريس الاستهزاء بنا في عيون من يراقبوننا.
إذا كنتم في تلفزيون السودان تبحثون عن مادة تستحق البث، فابحثوا عن بطولة حقيقية، لا عن صدى الموتى.
وإذا كنتم في الاتحاد العام تبحثون عن مجد، فابنوا مؤسسات، لا أوهامًا تُدار بالكاميرا واللاشيء.

وقبل الختام:
هذه ليست بطولة… هذه مهزلة منقولة على الهواء!
وإذا لم نوقف هذا العبث، فإن القادم سيكون أكثر بؤسًا، لا على الشاشة فقط، بل في وجدان كل مشجع فقد الثقة في رياضتنا.

وأهلك العرب قالوا:
«الرجاء في الميت خيبة، والكرم في العاجز ضياع».
والله المستعان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
XFacebookYoutubeInstagram
error: محمي ..