المجد.. والفطام الإداري

المجد.. والفطام الإداري
أبو بكر الطيب
الفِطَام الإداري من ثدي الرياضة السودانية
مبادرة للخروج الطوعي المشرف وبداية عهد جديد
في تاريخ الأمم، لا يبدأ التحول الحقيقي بالثورات العنيفة ولا بالإقالات الجارفة، بل بالوعي.
وحين تُصاب الأنظمة الرياضية بالتكلس وتراكم الفشل، فإن أولى خطوات العلاج لا تكون بالإقصاء، بل بفِطَامٍ واعٍ عن سلوكيات مَرَضية، وبداية نمو سليم لجيل جديد.
وها نحن، أمام مفترق طرق حاسم في مسيرة الرياضة السودانية، وقد بات واضحًا للغاشي والماشي أن جهازنا الإداري، على مستوى الاتحاد والأندية، يحتاج إلى فاصل انتقالي، لا لتصفية الحسابات، بل لاستعادة العافية.
حين تتحول الإدارة إلى “رضاعة لا تنتهي”
لقد تعاقبت على الرياضة السودانية أجيال من الإداريين، منهم الصادق المجتهد، ومنهم من ابتُلينا به.
لكن المشكلة الكبرى ليست في الأشخاص، بل في ثقافة التمترس خلف الكراسي، والانغماس في دورةٍ من “الرضاعة الإدارية” التي لا تعرف فطامًا.
رضاعة من الثدي المالي والرمزي للرياضة، جعلت بعض القيادات ترى المناصب وكأنها ميراثٌ دائم، لا مهمة مؤقتة، وجعلت الرياضة تُفقر لتُغني غيرها، وتترهل لتُنفخ حسابات من لا يستحق.
ما نطلبه ليس أكثر من “فِطَامٍ إداري” مشرف
ليست هذه دعوة للإبعاد، ولا خطابًا للإدانة. بل مبادرة واعية للخروج الطوعي، مبنية على قيم الوفاء والاعتراف، وتحقيق الانتقال بسلاسة دون صدام.
نحن ندعو اليوم إلى مرحلة الفِطَام الإداري. تلك المرحلة التي يُفارق فيها بعض القادة مقاعدهم برضاهم، لا بإقالة، ولا بخسارة انتخابية.
يُغادرون لا لأنهم فشلوا (رغم أن النتائج تشير لذلك)، بل لأنهم أدركوا أن المنصب ليس أبديًا، وأن الرياضة أكبر من الأشخاص.
من هنا تبدأ “انطلاقة المجد”
هذه المبادرة، التي سنفصلها لاحقًا بخطة عمل متكاملة، تنطلق من مرتكزات بسيطة وعادلة:
الاعتراف بجهود من خدموا الرياضة مهما كانت النتائج.
فتح الباب الطوعي لمن يريد التفرغ أو التنحي بكرامة وبدون ضغوط.
إفساح المجال لجيل جديد، يملك أدوات الإدارة الحديثة، ويحمل تطلعات الجمهور الغاضب والمنهك.
الحفاظ على سمعة من يغادرون المشهد، وتكريمهم رمزيًا، دون أي فتح لملفات قد تُسيء.
نحن لا نرغب في اقتلاع أحد، بل في إعادة تعريف مفهوم القيادة، لنضمن أن من يجلس على الكرسي مستقبلاً لا يرضع من جسد الرياضة، بل يُرضعها عافية وتخطيطًا وعدالة.
رسالة أخيرة للإداريين: لا تغادروا… بل افطموا أنفسكم
إن الكرسي لا يخلّد أحدًا، والبطولات لا تصنعها المجاملات، ورضاعة الرياضة دون فطام لا تُبقي لها جسدًا.
فطامكم عن المناصب، اليوم، ليس خروجًا من التاريخ، بل دخولٌ مشرّف إليه.
ولا شيء أكثر وقارًا من قائدٍ يختار بنفسه التراجع خطوةً ليمنح غيره فرصة التقدّم.
وإننا، بهذه المبادرة، لا نطلب تضحية، بل نُقدم فرصة ذكية:
فِطام لا فضيحة… تنحي لا تنكيل… انسحابٌ بأناقة لا بإكراه.
وأهلك العرب قالوا:
“إذا فُطِم الفتى فقد استغنى.”
فليكن فطامنا الرياضي هو بداية الاكتفاء الحقيقي.
ولنفتح معًا بابًا جديدًا من أبواب المجد…
إنها انطلاقة المجد، فلنكتبها معًا.
والله المستعان.
