وسط الرياح

النخبة على مائدة البخلاء!

عدد الزيارات: 21٬003
أبو بكر الطيب
أبو بكر الطيب

أبو بكر الطيب

في دول العالم المتحضّر، تُنفق الاتحادات الكروية ملايين الدولارات لتطوير المنافسات المحلية، وتحقيق العدالة بين الأندية، وخلق بيئة احترافية تُسهم في بناء منتخبات وطنية قوية.
أما في السودان، فالرياضة تُدار بـ”التحنيس”، وبطولات النخبة تُقام بـ”اللجنة الطوعية”، والعدالة تُوزَّع وفق بطاقة “اللون والنفوذ”.
هل سمعتم من قبل باتحاد يتسوّل إقامة منافسة؟
هل سمعتم عن اتحادٍ يتنصّل عن دوره، ثم يطالب الأندية بـ”الإعاشة والسكن والترحيل”؟
هل بلغ بنا الهوان أن نُطالب من الأندية ما يجب أن يُطالب به الاتحاد من نفسه؟!

▪ الأموال المجهولة: أين تذهب دولارات الفيفا؟
سؤال مشروع يتردّد على كل لسان: أين تذهب أموال الفيفا؟
الاتحاد الدولي لا يُرسل التبرعات من باب البر والإحسان، بل لدعم المنافسات وتطوير البنية الرياضية في بلدان العالم الثالث.
فكيف لنا أن نتسوّل من مجلس السيادة طائرةً للمنتخب؟
وكيف لنا أن نُرسل فرقنا إلى النخبة بـ”الترحال الطوعي”؟
وكيف نعتمد على لجنة من “المهتمين”، لتغطية عجز اتحاد يُفترض أنه صاحب الولاية على اللعبة؟!

إن الأستاذ ناصر بابكر لم يقل إلا الحق حين تساءل:
“الاتحاد يصرف على ماذا؟”
والإجابة الصادمة: يصرف على نفسه، وعلى حروبه الانتخابية، وعلى تلميع رموزه، لا على اللعبة التي جاء لأجلها.

▪ العدالة الغائبة: تمييز فج وفضيحة أخلاقية
لم يكتفِ الاتحاد بالتنصل المالي، بل أضاف إلى ذلك قبحًا قانونيًا لا يُطاق:
إسقاط البطاقات الملونة عن المريخ والهلال وحدهما، وترك بقية الأندية تغرق في العقوبات.
أي عبث هذا؟ أي منطق يُعتمد؟
أليس القانون واحدًا؟
أليس المبدأ أن المنافسة عادلة أو لا تكون؟
عندما طالبت الأندية بالمساواة، قيل لها بمنتهى الوقاحة:
“ومن لا يعجبه، فليطق رأسه بالخيط!”
وهكذا، تتحول الكرة السودانية إلى ميدان للبلطجة المؤسسية، ويُذلّ فيه من يطالب بالعدالة، ويُكرّم فيه من يتلوّن ويتواطأ.

▪ وزارة الرياضة… أين أنتم؟
لا نُبرئ وزارة الشباب والرياضة من هذا الخراب.
فالصمت في موضع المسؤولية شراكة في الجريمة.
أين أنتم من بطولة تُدار بلا ميزانية؟
أين أنتم من اتحاد يتسوّل “لجنة طوعية” لإنقاذ الأندية من الجوع والمبيت في العراء؟
هل هذه رياضة وطنية أم مسرحية عبثية لا نهاية لها؟

▪ العودة إلى العون الذاتي… أي مهزلة هذه؟!
كأننا نعود إلى خمسينات القرن الماضي، حين كانت المدن تبني المدارس ونقاط البوليس بـ”العون الذاتي”، لأن الدولة غائبة.
لكننا اليوم في زمن “دولارات الفيفا”، وفي ظل نظام أساسي يُفترض أنه عصري.
فلماذا نُعيد ذات المشهد البائس؟
ألا يعني هذا أن الاتحاد عاد بنا إلى الخلف عشرات السنين؟

▪ الاتحاد السوداني: من مؤسسة راعية إلى عبء فاضح
لم يعد الاتحاد مجرد جهة مقصّرة، بل صار عبئًا حقيقيًا على اللعبة.
صار مؤسسة تعيش على “الدعم الخارجي”، وتتجاهل من جاؤوا بها.
صار عاجزًا عن أبسط المهام، ثم يمارس الوقاحة القانونية حين يستثني الكبار من العقوبات، ويترك البقية تقاوم بالحد الأدنى من العدالة.
إنه اتحاد يستحق أن يُحاسب، لا أن يُكافأ.
“وإن الحق لا يُطلب بالحياء… ولا يُؤخذ بالتمنّي، بل يُنتزع انتزاعًا.”
“ومن جعل نفسه مطيّةً للفساد… فلا يلومنّ إلا السوط إن نزل على ظهره.”

▪ وقبل الختام:
لسنا هواة إثارة، ولا تجار أزمات.
لكننا أبناء هذا الوطن الرياضي المكلوم، نرفض أن يُدار مستقبلنا بعقلية “اللجنة الطوعية” و”الكفيل الجائر”.
هذا الاتحاد لم يعد أهلًا للثقة، ولم يعد أهلًا للبقاء.
وإن صمتنا، نكون قد منحناه رخصة جديدة للعبث.
فلنُسمعهم صوتنا:
إما اتحاد يخدم اللعبة، أو لا اتحاد إطلاقًا.
وإنها لكلمة نكتبها الآن، وسنرددها غدًا،
حتى يسقط هذا الصرح الخرب، وتنهض رياضتنا على أساس العدالة، لا على مائدة الفقراء.

وأهلك العرب قالوا:
“أمنَ العقوبة استهان بالواجب.”
عندما لا نُفعّل القانون ونصوصه، ويكون التأديب رادعًا، عندها يتم ارتكاب المخالفات، وتَحل الفوضى والغوغاء في الرياضة، وهذا يجعل المخالف يتصرف دون محاسبة أو رقابة، بل يتمادى أكثر وأكثر في تجاوزاته ومخالفاته.
فعندما يُتيح للشخص الحصانة أو الحماية، فليصنع ما يشاء.

والله المستعان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
XFacebookYoutubeInstagram
error: محمي ..