وسط الرياح

عبث الاتحاد ومأساة القرار الغائب!

عدد الزيارات: 21٬003

أبو بكر الطيب

أبو بكر الطيب

“الإناء المراقب لا يغلي أبدًا” — مثلٌ أوروبي قديم، لكنه يجد ترجمته الدقيقة هذه الأيام في واقع اتحاد الكرة السوداني، حيث ننتظر “قرارات” لا تأتي، ونترقب “حلولًا” لا تُولد، بينما يستمر العبث والتخبط، كأنّ الزمن قد توقف عند لحظة من اللاقرار المزمن.
نحن أمام مشهد لا يبعث فقط على الإحباط، بل يطرح علامات استفهام صارخة حول مدى جدية الاتحاد العام في إدارة أزمات الكرة السودانية، وعلى رأسها أزمة اتحاد الخرطوم المحلي.

تهنئة مؤجلة… بسبب قرار غائب!
كنتُ على وشك أن أكتب تهنئة للجنة “التطبيع” الجديدة، التي ترددت أنباء عن تكوينها من قبل الاتحاد العام، ظنًا أن الخلاف انتهى، والمشكلة وجدت طريقها إلى الحل. وكنتُ مستعدًا لدعوة الرياضيين والمهتمين للالتفاف حول اللجنة ودعمها في مهمتها الوطنية الكبرى.
لكن، وكما تعلمنا من تعاليم ديننا الحنيف الذي يقول:
(يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا…)
فعملتُ ما يمليه عليّ الواجب والحرص، وتوجهت إلى الموقع الرسمي للاتحاد السوداني لكرة القدم، بحثًا عن قرار رسمي، أو بيان موثق… فلم أجد شيئًا!
تواصلت مع بعض المعنيين والمهتمين، فكانت المفاجأة الأكبر:
معظم أعضاء المجلس ليس لديهم علم بالقرار أصلًا، بل إن بعضهم أجرى اتصالات مباشرة مع المسؤولين دون الحصول على أي ردّ مؤكد! والأمين العام، الذي يُفترض أن يكون مرجعية للإجابة، تعذّر الوصول إليه!

قرار بلا وثيقة… لجنة بلا شرعية… أزمة بلا نهاية
نحن أمام حالة فوضى مؤسسية مكتملة الأركان:

قرار غير منشور.

لجنة غير مُعلنة رسميًا.

بيان بتوقيع نائب رئيس، وهو منصب قانونيًا لا يزال محل شكوك في مشروعيته.

غياب كامل لأي سند قانوني أو مرجعية تنظيمية.

والأسوأ من ذلك، أن “البيان المتداول” لم يُشر من قريب أو بعيد إلى تكليف اللجنة بوضع نظام أساسي جديد لاتحاد الخرطوم، رغم أن هذه هي لبّ المشكلة وأساسها. فكيف تُطبّع الأوضاع دون خارطة طريق؟ كيف نبدأ من النهاية؟ كيف نُكلّف لجنة دون تفويض واضح؟

عبث أم تغافل؟ حين يصبح التخبط سياسة
إن السكوت عن هذه التجاوزات هو اشتراكٌ ضمني في مؤامرة ضد استقرار الرياضة في ولاية الخرطوم.
كيف لاتحاد عام أن يُكوّن لجنة في ظل قرار وزاري قائم؟
كيف يُصدر قرارًا جديدًا دون إلغاء القرار القديم، الذي شكّل لجنة تسيير بمرجعية قانونية من مجلس الشباب والرياضة بولاية الخرطوم؟
ثم ماذا عن قرار المحكمة العليا الذي أوقف اتحاد الخرطوم؟
كيف يتم التصرّف في كيان قانونيًا موقوف من أعلى سلطة قضائية دون رفع الإيقاف؟
هل أصبحنا في دولة اتحادات أم دولة مؤسسات؟

والآن… من يحاسب من؟
إن ما يحدث خطأ إداري، وانتهاك صريح لـ:

أحكام القضاء

صلاحيات الجهات الرسمية الولائية

مبدأ الشفافية والمؤسسية

إن هذا التخبط قد يُعرّض الكرة السودانية لعقوبات دولية، فضلًا عن فقدانها ثقة الأندية والجماهير، وهو ما لا تحتمله كرة أنهكتها الانقسامات والصراعات.

أيها الاتحاد، إذا أردتم أن تحظوا بثقة الوسط الرياضي في ولاية الخرطوم، فعليكم أولًا أن تحترموا القانون.
ليس بالتعيينات الهشة يُبنى اتحاد الخرطوم، ولا بالقرارات غير المعلنة تُحل الأزمات.
لا تصدروا قرارات كمن يكتبها على الرمال، ثم تنتظرون منّا أن نُباركها وكأننا لا نرى هشاشتها.

ما لم تكن هناك:

وثائق رسمية

مسوغات قانونية

احترام للأحكام القضائية

تنسيق مع الجهات المختصة

فكل ما يُقال ويُسرّب ليس سوى كلام في الهواء، لن يُخرج اتحاد الخرطوم من أزمته.

وقبل الختام…

أهلك العرب قالوا:
“من حُرم الأمانة، حُرم الهيبة… ومن حُرم الهيبة، كَثُر عليه اللوم.”

وقالوا أيضًا:
“إذا استُؤمن الخائن، وخُوِّن الأمين، فانظر إلى الساعة.”
وهذا ما نخشاه اليوم… أن تُسلب الأمانة، ويُغيّب القانون، وتضيع هيبة الدولة الرياضية وسط صراخ البيانات، وتضارب التعيينات، وغياب المساءلة.

نعم، “الإناء المراقب لا يغلي أبدًا”
لكن الإناء الذي يحترق تحته الجمر… يغلي، ويطهّر، وينضج.
فهل نشعل الجمر؟
أم نظل ننتظر قرارًا واهيًا، لا وجود له إلا في نشرات الشائعات؟

والله المستعان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
XFacebookYoutubeInstagram
error: محمي ..