جسّ النبض

أبو بكر الطيب
عبث القيادة والمراوغة
لم يعد خافيًا على أحد من المتابعين والمهتمين بالشأن الرياضي السوداني أن الاتحاد العام لكرة القدم قد انزلق منذ سنوات إلى ممارسة عبثية مكشوفة لا تُشبه مسؤولية مؤسسة يُفترض أن تقود اللعبة الشعبية الأولى في البلاد. فبدلًا من قرارات مؤسسية مدروسة، وأداء شفاف يُلهم الثقة، دأب الاتحاد على اعتماد سياسة “جسّ النبض” أو “الإدارة بالتسريب”، وهو نهج لا يُمارس إلا في الكواليس المظلمة حينما يغيب المشروع وتحضر المكيدة.
بالونات اختبار أم مراوغة منظمة؟
لقد درج الاتحاد السوداني لكرة القدم على تسريب قراراته أو التلميح بها في شكل إشاعات متناثرة، ثم يراقب ردود الفعل دون أن يتحمّل مسؤولية الإعلان الرسمي. من إعلان الدوري الممتاز بنظام لا أحد يفهمه، إلى الحديث عن دوري النخبة، مرورًا بجمعيات عمومية وهمية، وقرارات هبوط غير مُعلنة، وانتهاءً بإعلان لجنة تطبيع لاتحاد الخرطوم دون قرار رسمي منشور، كلها نماذج صارخة على هذا التلاعب المؤسسي.
هذه السياسة المتّبعة تُجرّد القرار الإداري من أبسط مقوماته: الوضوح، المسؤولية، والشرعية. فهي لا تعتمد على معايير واضحة، ولا تُمكن الأطراف المتأثرة من ممارسة حقوقها في الطعن أو المراجعة، بل تسعى بوضوح لتضييع الزمن القانوني، لتُغلق الأبواب في وجه أصحاب الحقوق، وتحوّل الرياضة إلى مزاد للمناورة والاحتيال الإداري.
قرارات حسب المزاج.. و”المصلحة”
من المفارقات المريرة أن بعض هذه القرارات غير المُعلنة تجد طريقها إلى التنفيذ السريع إن لاقت رضاء بعض المتنفذين والمطبلين، بينما تُلقى قرارات أخرى في سلة المهملات إن لم تُرضِ “أهل الحظوة”. هذه الانتقائية لم تُفسد فقط صورة الاتحاد، بل ضربت عدالة المنافسة في مقتل، وخلقت بيئة رياضية موبوءة بالاستقطاب والانقسام.
إلى قادة الاتحاد السوداني: أسئلتنا لا تنتظر إجابات مراوغة
وإزاء هذا الواقع المرير، نطرح الأسئلة الآتية، ونطالب بإجابات قانونية وشفافة أمام جماهير الرياضة السودانية:
1. لماذا لم يقم الاتحاد السوداني لكرة القدم بنشر النسخة المُحدثة من نظامه الأساسي على موقعه الرسمي، رغم أن ذلك من أبسط مقتضيات الشفافية؟
2. لماذا لم تُكوّن اللجان العدلية للاتحاد بشكل قانوني معلن؟ وإذا تم ذلك، أين القرارات؟ وأين التوصيفات؟ ولماذا لم تُنشر أسماؤها في المنصات الرسمية؟
3. لماذا لم تُبت اللجان العدلية في الطعون المقدمة إليها حتى اللحظة؟ ولماذا لم تُنشر هذه القرارات أو توضح أسباب التأخير؟
4. لماذا يصمت رئيس الاتحاد، معتصم جعفر، عن الاتهامات المباشرة الموجهة إليه بأخذ أموال من نادي المريخ؟ وهل هذا الصمت يُعد قبولًا ضمنيًا؟
5. لماذا لم يخرج معتصم جعفر أو أسامة عطا المنان وبقية المطعون ضدهم ليدافعوا عن أهليتهم ويبرروا قانونيًا استيفاءهم لشروط الترشح؟ أم أنهم يتحصّنون خلف التوقيت والسكوت والتسويف؟
6. ما مصير لجنة التطبيع التي أُعلن عنها لاتحاد الخرطوم؟ وأين القرار الرسمي بتكوينها؟ ولماذا لا نجد لها أثرًا على المنصات الرسمية؟
7. من الذي يُقرر داخل هذا الاتحاد؟ وهل المجلس مجتمعًا يملك رؤية، أم أن القرارات تُدار من وراء الكواليس؟
8. لماذا تُعامل الجمعيات العمومية كأدوات شكلية لا سيادة لها؟ ولماذا تُمرر بعض القرارات من دونها أو على ظهرها؟
الصمت ليس حيادًا… بل جريمة إدارية
هذا الصمت الرسمي من قيادات الاتحاد، تجاه كل هذه الأسئلة، لا يُفسّر إلا بطريقتين: إما بالعجز الكامل عن الدفاع، أو بالتورّط العميق في ما لا يُقال. وفي الحالتين، فإن الواجب الوطني يُحتم على الوسط الرياضي ألّا يصمت. فحقوق الأندية، وعدالة التنافس، وشرعية القوانين، ليست مجالات للتفاوض أو المقامرة.
دعوة للمحاسبة والمواجهة
لقد آن الأوان للشارع الرياضي أن يُحاصر هذا الاتحاد بأسئلته، ويفرض الشفافية فرضًا، لا رجاءً. لا مكان بعد اليوم لقرارات بلا توقيع، أو أخبار بلا مصدر، أو صمت بلا مساءلة. إن مستقبل الرياضة السودانية لن يُبنى على مراوغة، ولن يُقاد عبر تسريبات الواتساب، بل بقرارات قانونية معلنة ومسؤولة.
وأهلك العرب قالوا:
“العود لو ما فيه شقّ ما بقول طق
وما في دخان من غير نار”
… لكننا هنا، وسنظل نراقب ونسأل ونحاسب، لأن الرياضة لا يحكمها الصمت، بل يُقيمها العدل والحق.
والله المستعان
