شلّعُوهَا ال..!!

أبو بكر الطيب
أولًا: من المريخ إلى الخرطوم إلى الاتحاد العام… سلسلة انهيارات تبدأ من القمة
نادي المريخ: ضحية السمسرة والعشوائية
في سنواتٍ قليلة، انتقل المريخ من كونه أحد أعمدة الكرة السودانية، إلى أن أصبح ساحةً مفتوحة للسمسرة وتصفية الحسابات.
إعارة اللاعبين، تفكيك الفريق الأساسي، تغييب الرؤية الفنية… كل هذا تم تحت غطاء “تجديد الدماء”، لكنه في الحقيقة كان عملية تفكيك شاملة لمؤسسة رياضية عريقة.
اليوم، المريخ يعاني فنيًا، وإداريًا، واجتماعيًا، بعد أن فقد بوصلته، وبات ملعبًا لتجارب لا تنتهي و”صفقات” لا تُعرف معاييرها.
اتحاد الخرطوم: صورة مصغرة للفوضى الكبرى
من الصراع على المقاعد، إلى تغييب القانون، إلى التراشق الإعلامي، يعيش اتحاد الخرطوم اليوم أزمة هوية وشرعية.
ما يُدار باسم “المصلحة العامة” في الواقع تحكمه علاقات المصالح والوساطات، في غياب شبه تام لاحترام القانون كمرجعية، وهو ما أدى إلى تقزيم دور الاتحاد، وتهميش الأندية، وانحدار التنافس.
الاتحاد العام: من قيادي إلى أداة تدمير
أما الاتحاد العام لكرة القدم، فهو — ويا للمفارقة — من قاد أوركسترا “الشلع”، وها هو اليوم يشرب من نفس الكأس.
لقد مارس التصفية ضد الأندية والاتحادات الولائية، واستغل لوائح فضفاضة لتفصيل العقوبات على خصومه، متجاهلًا العدالة، ومستهينًا بمؤسسات الطعن القانونية… حتى جاءت “كاس” لتُعيد بعض التوازن.
ثانيًا: تفكيك أم ثقافة؟ تحليل الظاهرة من منظور اجتماعي وقانوني
هذه ليست سلسلة أخطاء. إنها سلوك جماعي متكرر، يحمل صفات “الظاهرة”. فما الذي يفسر انتشار هذه الحالة التشليعية في جسد الرياضة السودانية؟
غياب الحوكمة الرياضية
ما لم تكن هناك نظم شفافة ومساءلة واضحة، ستظل الإدارات ترى نفسها فوق القانون.
لا عقاب ولا رقابة = بيئة مثالية للفساد.
ثقافة الإقصاء والتفرد بالقرار
اللوائح تُصاغ حسب الحاجة.
الخصوم يُقصَون لا يُحتوَون.
وهكذا تتحول المؤسسات إلى كيانات هشّة لا تقبل التعدد ولا تسمع المعارضة.
“الباذنجانية” في القرار الرياضي
وجود زمرة من “المصفقين دائمًا”، الذين يدورون مع الكرسي حيث دار، يجعل القيادات مطمئنة لاستبدادها، ويدفن كل نَفَس إصلاحي داخل المؤسسة.
انهيار القضاء الرياضي المحلي
متى ما فقد القانون هيبته داخل الدولة، يصبح اللجوء للمؤسسات الدولية كـ “كاس” هو الخيار الوحيد للمظلومين — كما فعل نادي ود نوباوي مؤخرًا.
ثالثًا: كيف نوقف التشليع؟ خطة إنقاذ متعددة المسارات
من المهم ألا نكتفي بالبكاء على الأطلال. الحلول موجودة، لكنها تحتاج إلى إرادة، وإعلام، ومجتمع رياضي قوي.
إعادة الاعتبار للحوكمة الرياضية
إصلاح النظام الأساسي للاتحاد.
علنية الميزانيات.
تكوين لجنة رقابة مستقلة.
تمكين القانون وتفعيل لجانه
جعل اللجان القضائية محصنة من التدخل.
تفعيل لجنة الأخلاقيات لمحاربة تضارب المصالح.
دعم ثقافة الشراكة بدلًا من الإقصاء
إنشاء مجالس مشتركة للأندية والاتحاد.
دعم الأندية الصغيرة قانونيًا وفنيًا.
ترسيخ الإعلام الرقابي النزيه
دعم الصحافة الحرة التي تفضح الفساد.
محاسبة المتواطئين إعلاميًا.
تدريب القيادات الرياضية
دورات في الحوكمة والإدارة للأندية والاتحادات.
تغيير النخب المتكلسة التي لا تجيد إلا “الشلعة”.
وقبل الختام: الخوالدة ليست مجرد قرية… إنها علامة تحذير
تحولت عبارة “شلعوها الخوالدة” إلى أيقونة للحسرة، ومرآة لواقعٍ رياضي مرير يتآكل من الداخل.
لكن يمكن أن تتحول إلى نقطة انطلاق… إذا امتلكنا الجرأة على الاعتراف بالفساد، وبدأنا رحلة إعادة البناء.
ولنتذكّر دائمًا:
من شلّع اليوم… سيُشلَّع غدًا.
لكن من يُصلِح، سيبقى.
والبقاء للأصلح، لا للأقوى.
واهلك العرب قالوا: “إذا نُصِبَ الحقُّ فكل لسانٍ ناطق، وإذا خُذِل سادَ الباطلُ وتكلم الصمتُ عن كل خذلان”.
وقالوا: “ما ضاع حق وراءه مُطالب.”
والله المستعان.
