مازال المال هو المعيار

أبو بكر الطيب
في الأندية الرياضية السودانية عمومًا، ونادي المريخ على وجه الخصوص، يتكرر في كل أزمة إدارية السؤال ذاته: من ينقذ النادي؟ وغالبًا ما يتصدر المشهد شخص “قادر ماليًا” يُدفع به إلى الواجهة دون تمحيص كافٍ في كفاءته أو رؤيته أو فهمه العميق لطبيعة الكيان وتاريخه وثقافته. هذا النمط بات متكررًا لدرجة أنه أصبح ظاهرة تستحق الدراسة والتحليل
لماذا يحدث هذا التوجه نحو أصحاب المال؟
1. الضائقة المالية كدافع أول
في ظل العجز المالي المستمر، يصبح المال حاجة طارئة تضغط على الوعي الجماعي للمجتمع الرياضي، فتُغيب الأسئلة الأهم: هل يمتلك هذا الشخص رؤية؟ هل يعرف كيف يُدير؟ هل يعي طبيعة المؤسسة الرياضية؟
2. غياب المنظومة المؤسسية المتكاملة
عندما لا تتوفر مصادر دخل مستدامة من استثمار أو تسويق أو حقوق بث أو عضويات نشطة، يُعلّق النادي آماله على فرد واحد، ليتحول من “مؤسسة” إلى “شركة خاصة” لا تخضع لمبادئ الحوكمة أو الرقابة أو المساءلة.
3. الخلل في الثقافة الرياضية
لا تزال بعض قطاعات الجماهير تتعامل بعاطفية مفرطة، مفضلةً من يدفع الآن حتى لو كانت مساهمته مجرد مسكّن يفتح جروحًا أكبر لاحقًا، ويُنظر إلى المال أحيانًا باعتباره “مشروع كفاءة” بحد ذاته، وهو خلط خطير بين القدرة المالية والرؤية القيادية
ما هي التبعات والمخاطر؟
1. الارتهان الفردي والهشاشة المؤسسية
يصبح النادي رهينة لشخص واحد، فإذا غاب أو انسحب أو تضررت مصالحه انهار كل شيء، وتبدأ رحلة البحث عن “ممول جديد” دون إصلاح حقيقي للبنية المؤسسية
2. تغييب الكفاءات الإدارية الحقيقية
يتم تهميش أصحاب الرؤى والمشاريع وإقصاء الكفاءات لأنهم لا يملكون المال، مما يخلق بيئة طاردة للعقول ويعزز ثقافة “الدفع مقابل القيادة” بدلًا من “الرؤية مقابل الإنجاز”
3. تسييس القرار الرياضي وخضوعه للأهواء
في غياب المؤسسية، تصبح القرارات فردية، والاجتماعات شكلية، والخطاب الإعلامي موجّهًا للتبرير لا للمساءلة
ما هو الحل؟
1. اعتماد معايير مؤسسية لاختيار القيادات
يجب ألا يُترك باب القيادة لمن يملك المال فقط، بل لمن يملك ويعرف ويملك رؤية واضحة وكفاءة ونزاهة
2. تفعيل دور الجمعية العمومية الحقيقي
ينبغي أن تتحرر الجمعية العمومية من عضوية المصالح المستجلبة لتكون الضمير الحي للنادي ومصدر شرعيته وقراراته
3. التخطيط لإيرادات مستدامة
بدلًا من التعويل على “فاعل خير موسمي”، يجب وضع خطط استثمارية وتشغيلية تضمن للنادي موارد ثابتة ومستقلة
4. بناء مؤسسة عمل إداري متكاملة
وجود لوائح واضحة، وصلاحيات محددة، وآليات للرقابة يضمن استمرار النادي في مساره الصحيح حتى مع تغير القيادات
قبل الختام
إن ظاهرة الاعتماد على المال فقط في اختيار القيادات لا تمثل حلًا حقيقيًا، بل هي تأجيل للأزمة. الأندية التي تنهض فعلًا هي التي تبني مؤسسات قوية، لا تلك التي تتوسل الممولين.
وقال العرب قديمًا:
“إذا لم تُكرَم الكرامُ بكفّهم
كُرِموا، ولكن في الفؤاد، جراحُ”
فالكرم الحقيقي ليس في المال فقط، بل في حفظ القيمة والاحترام وصيانة الكيان من الجراح التي يتركها سوء الاختيار وسوء الإدارة
والله المستعان
