وسط الرياح

مفترق الطرق: أزمة إدارة.. أم أزمة كيان؟

عدد الزيارات: 21٬005

أبو بكر الطيبمفترق الطرق: أزمة إدارة.. أم أزمة كيان؟

أبو بكر الطيب

في واحدة من أكثر الفترات اضطرابًا وتوهانًا في تاريخ نادي المريخ العريق، تتسارع الأحداث بشكل غير مسبوق، وتتقاطع الخطوط بين مجلس منتخب استقال تحت ضغط الإخفاق، وآخر يستند إلى شرعية قانونية سابقة بين حقيقة وخيال، وبينما تحاول لجنة الحوكمة المؤقتة العبور بالنادي إلى بر الأمان وسط بحرٍ متلاطم من الأحداث والتكهنات.

لكن خلف هذه الواجهة الصاخبة، تختبئ أزمة أعمق من مجرد تبديل الإدارات، إنها أزمة كيان، تتعلق بفكرة “النادي” ذاته: من يحكمه؟ كيف يُدار؟ ولمن يُبنى؟ وما هي الشرعية القانونية التي يستند عليها؟

أولًا:
خارطة الأزمة… حين تتشابك الشرعيات
في يوليو 2025، تقدّم مجلس المريخ المنتخب بقيادة المهندس عمر النمير باستقالة جماعية، بعد فترة قصيرة من تعيينه، اتسمت بالتجاذبات والشلل. هذه الاستقالة لم تكن مفاجئة لمن راقب تراكمات الإخفاق الإداري، وغياب الرؤية، والفراغ التنظيمي الذي أضعف المركز القانوني للمجلس وكانت متوقعة تنتظر عامل الزمن وجعل استمراره شبه مستحيل.

إثر ذلك، عاد اسم آدم سوداكال إلى الواجهة. الرجل الذي لم يغادر المشهد يومًا، قط ظل يتحرك مسنودًا بأداة إعلامية مرة وأخرى بحكم محكمة كاس (2021) الذي أبطلت بموجبه انتخابات القنصل حازم مصطفى، وأعادت له الشرعية القانونية. رغم هذا، رفضته قطاعات واسعة من جماهير المريخ، وإن لجان الانتخابات والمؤسسات داخل النادي تجاوزته، ما خلق واقعًا “مزدوج الشرعية”:

شرعية قانونية قائمة بحكم دولي.

وشرعية جماهيرية جديدة، لا تعترف به.

هذا الازدواج عطّل كثيرًا من المشاريع، وأدخل النادي في دوامة انقسام مؤسسي، تكررت أكثر من مرة، وعادت كلما بدأت صفحة جديدة.

ثانيًا:
قراءة في الجذور لا في السطح

الانقسام الإداري… عَرَضٌ لغياب التوافق

افتقاد المؤسسية، وتفشي الفردية.

ضعف الثقافة الديمقراطية داخل القواعد.

اختطاف القرار عبر العضوية المستجلبة أو المال الموسمي.

الفشل الرياضي… النتيجة الطبيعية للفوضى

غياب التخطيط الفني، وتعدد المرجعيات الإدارية.

سيطرة السماسرة على سوق التعاقدات.

ضياع هوية الفريق الأول، ما بين مشروع بلا نَفَس، وأداء بلا روح.

“سوداكال”: الوجه القانوني للأزمة
هنا بيت القصيد. سوداكال ليس مجرد اسم، وإنما يمثل تحديًا مركبًا:

من جهة، هو صاحب شرعية قضائية لا يمكن تجاهلها أو القفز عليها دون حل نهائي.

من جهة أخرى، يفتقد “التفويض العاطفي” من جمهور غاضب ومحبط.

إن تجاهل وجوده لا يُقصيه، ولكنه يعيد إنتاجه في كل منعطف جديد، ليطلّ برأسه من بوابة القانون الدولي، فيربك الداخل ويعقد المشهد ويكسر الزخم ويحبط الجميع في الخارج وفي مواجهته.

الحل؟
ليس في الصراع معه… بل في التوافق على استيعابه ضمن خارطة طريق تنزع فتيل الصراع من الجذور.

ثالثًا:
لجنة الحوكمة… لحظة للعبور أم للترقيع؟

لجنة الحوكمة الحالية، بتركيبتها ومرجعيتها، تمثل الفرصة الأخيرة لإعادة هندسة كيان المريخ على أسس جديدة. لكن نجاحها مرهون بما يلي:
توصيات قابلة للتطبيق: إذا حسنت النوايا

اتفاق شرف مريخي شامل:

يشمل كل الأطراف، بمن فيهم سوداكال، بوصفه واقعًا قانونيًا يجب احتواؤه، لا استفزازه.

يُوقع على مبدأ التنازل التدريجي عن المواقع لصالح مشروع وطني مريخي توافقي.

نظام عضوية نزيه ودائم:

منع العضوية الموسمية.

إنشاء سجل إلكتروني شفاف خاضع للرقابة.

إعادة كتابة النظام الأساسي:

تقليص الصلاحيات الفردية.

توسيع صلاحيات الجمعية العمومية كمصدر وحيد للشرعية.

فصل القرار عن التمويل:

صندوق شفاف للدعم، يُرحّب بالمساهمة أو غيرها، شريطة ألا تعني التمويل = سلطة.

مشروع رياضي بهوية واضحة:

لجنة فنية مستقلة تحدد السياسات.

خارطة طريق لعودة هوية الفريق داخل الملعب وخارجه.

رابعًا:
المريخ… ماذا نريد أن نكون؟

لا نريد ناديًا يُحكم بالعرف أو بالمال، ولا ناديًا تقتله المجاملات أو الثارات.

نريد للمريخ أن يكون وطنًا رياضيًا يُحتَكم فيه إلى القانون، ويُبنى بالتوافق، ويُدار بالعلم.

الانتماء لا يجب أن يكون ولاءً لشخص وإنما التزامًا بمبدأ.

النجاح ليس الكأس، ولكن استدامة الحلم.

والبطولة لا تساوي شيئًا إن لم تحمِ الكيان.

وأهلك العرب قالوا:
“من لم يُصلح ما بينه وبين الناس، أفسده الله عليهم.”
“ومن لم يُحسن إدارة الخلاف… عاش أسيرًا له.”

المريخ اليوم أمام خيار تاريخي:
إما أن نغلب العقل على العاطفة، والكيان على الأشخاص، والتاريخ على اللحظة…
وإما أن نظل نعيد نفس الدائرة، كلما انطلقنا خطوة، أعادنا الصراع عشرًا.
فهل نملك الشجاعة لنعيد تشكيل المريخ من الداخل؟ أم نظل نُمسك الرماد، ونبكي أطلال المجد؟

والله المستعان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
XFacebookYoutubeInstagram
error: محمي ..