وسط الرياح

سهولة الهدم وصعوبة البناء

عدد الزيارات: 21٬006

474أبو بكر الطيب

يُحكى أن رسامًا عرض لوحته في ساحة عامة، وطلب من الناس أن يضعوا إشارة حمراء على أي خطأ يرونه. عاد في اليوم التالي ليجد لوحته مشوهةً بالإشارات، تكاد تختفي معالمها.

فأعاد عرضها، لكن هذه المرة طلب ممن يرى خطأً أن يُصلحه بريشته. فجاء الناس، وترددوا، ثم انصرفوا دون أن يضع أحدٌ لمسة واحدة. عندها أدرك الرسام أن النقد سهل، لكن الإصلاح أصعب بكثير.

واقعنا المعاصر يكثر فيه الذين يرفعون الإشارات الحمراء ويحملون أقلام التصحيح وينتقدون غيرهم، فهي الطريق الأسهل للنقد والسير في الاتجاه المعاكس، والأكثر إغراءً، لأنها لا تحتاج إلى تفكير عميق، ولا تحمل مسؤولية، ولا تتطلب جهدًا. إنها مهنة من لا مهنة له، يمارسها “المُطبلاتي” و”الكرتجي”، الذين يحسبون النقد وسيلةً للهدم أو فرصة لإثبات الوجود على حساب الآخرين.

لكننا بما نمارسه من نقد لسنا بصدد توجيه التهم أو الانتقاص من قدر الآخرين. لقد تعلمنا أن النقد لا يكون انتقاصًا من قيمة الآخر إذا ما تبعته حلول وإرشاد، وهو أيضًا دعوة للإصلاح.

فعندما ننتقد لم يكن المقصد تشويه اللوحة أو ملأها بالعلامات الحمراء، بل إيمانًا منا بأننا نشير إلى الخلل بوضوح، ونقترح في الوقت نفسه طرق العلاج وإعادة البناء.

الفرق بيننا وبينهم هو النية والعمل:

  • هم يكتفون بالإشارة والهروب، فيتركون وراءهم الفوضى.

  • أما نحن، فنمسك الريشة والقلم، ونصلح ما اعوجّ، ونكمل ما بدأه الآخرون.

حين ننتقد لا نفعل ذلك من باب التباكي على الماضي أو جلد الذات، بل نقدم قراءة دقيقة للواقع، ونشير إلى الفراغ الجوهري في القيادة واختلال التناغم، ثم نعرض حلولًا عملية تُعيد التوازن وتحقق الهدف.

هذا هو النهج وهذا هو المقصد: أن يكون النقد أداةً للبناء لا معولًا للهدم، وأن يكون الإصلاح غايةً لا شعارًا. لم يكن ممارس النقد حبًا في الانتقاد، وإنما تمسكًا به لأنه السبيل إلى نتائج إيجابية، وخطوة أولى في طريق الإصلاح الحقيقي.

فليكن شعارنا دائمًا:

“لنمسك الريشة والقلم، ولنضع الإشارات الحمراء، ولنُصلح الأخطاء ما استطعنا إلى ذلك سبيلًا.”

بهذا نُثبت أن نقدنا وُجد من أجل المصلحة العامة، لا من أجل أهداف شخصية أو أجندات ضيقة.

وقال العرب:
“رحم الله امرأً أهدى إليّ عيوبي.”

والله المستعان.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
XFacebookYoutubeInstagram
error: محمي ..