وسط الرياح

الجهل والتعمد.. القانون هو الضحية

عدد الزيارات: 21٬002

474

أبو بكر الطيب

في أي نادٍ أو اتحاد رياضي، يظل النظام الأساسي هو المرجع الأعلى الذي يحدد الاختصاصات ويفصل بين السلطات ويضمن استقلال القضاء الرياضي. غير أن ما يجري اليوم بين الاتحاد العام لكرة القدم واتحاد ولاية الخرطوم المحلي يثير تساؤلات عميقة: هل نحن أمام جهل بالنصوص أم تجاهل متعمد لها؟

أولاً: النصوص واضحة لا لبس فيها
معايير فيفا تشدد على استقلالية الهيئات القضائية (لجان الانضباط، الأخلاقيات، الاستئناف، والانتخابات)، وتلزم بأن يتم تكوينها عبر الجمعية العمومية حصريًا.
النظام الأساسي للاتحاد السوداني يؤكد ذات المعنى: لا يحق للجهاز التنفيذي أو أي لجنة تطبيع أن تعيّن هذه اللجان، لأنها تمثل “السلطة القضائية”. وكذلك من المفروض أن يلتزم اتحاد الخرطوم بهذه القاعدة.
القانون السوداني بدوره يمنح الوزير سلطة تعيين لجان تسيير مؤقتة عند الضرورة، بغاية الدعوة للجمعية العمومية— ويمنع تكوين هياكل قضائية دائمة.

ثانياً: ما يحدث في الواقع
رغم وضوح النصوص، نرى محاولات مريبة من الاتحاد العام واتحاد الخرطوم لتكوين لجان عدلية وانتخابية بقرارات من لجنة تطبيع. هذا الفعل يعتبر خطأ إجرائيًا كبيرًا وإنه تجاوز اختصاص صريح (Ultra Vires) يفرغ الاستقلالية من معناها، ويهز شرعية كل القرارات التي ستصدر لاحقًا.

ثالثاً: التفسير المحتمل
أمامنا احتمالان:

  1. الجهل المطلق: أن يكون القائمون على الأمر لا يعرفون أن هذه صلاحيات الجمعية العمومية وحدها. وهذا بحد ذاته مصيبة، لأن من يتصدر قيادة اتحاد رياضي كبير لا يمكن أن يجهل أبجديات نظامه الأساسي.

  2. التعمد المقصود: أن يكونوا يعلمون ويصرون على المخالفة، مع سبق الإصرار والترصد، إما لمصالح ضيقة أو لتكريس سلطة خارج القانون. وهذه أدهى وأمر، لأنها تمثل تحديًا صريحًا للنظام الأساسي وللقضاء.

رابعاً: العواقب المترتبة

  • فقدان الشرعية: أي لجنة تُشكَّل بهذه الطريقة ستكون محل طعن، وقراراتها باطلة.

  • ارتباك في حل النزاعات: كيف تُلزم الأندية والأفراد بقرارات صادرة عن لجان غير مشروعة؟

  • خرق لاستقلال القضاء الرياضي، مما يفتح الباب أمام العقوبات أو تعليق النشاط.

خامساً: المشهد الحالي يكشف خللاً أعمق
هل نؤمن بالقوانين عندما تخدمنا ثم نكفر بها عندما تقيّدنا؟ أم أننا نرى أنفسنا فوق النصوص وفوق القضاء؟ هذا السؤال الأخلاقي والقانوني لا بد أن يُطرح بجرأة، لأنه يمس جوهر العدالة الرياضية.

وقبل الختام:
إن احترام القانون من صميم العمل المنظم وشرط أساسي لشرعية أي مؤسسة. وأما تجاهل النصوص أو التلاعب بها فلن يقود إلا إلى فوضى رياضية وقانونية تفقد معها الاتحادات هيبتها ومصداقيتها.

وقال العرب:
“من لم يُقم نفسه على القانون، أقامه الناس على الفوضى.”
وقالوا:
“هذا زمانك يا مهازل فامرحي.”

والله المستعان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
XFacebookYoutubeInstagram
error: محمي ..