وسط الرياح

هل الكثرة على الباطل تبيح المحظورات؟

عدد الزيارات: 21٬005

أبو بكر الطيبأبو بكر الطيب

هناك قصة رمزية عميقة المعنى تحكي عن قطار ينطلق بسرعة نحو مساره المعتاد، حيث مجموعة من الأطفال يلهون بلا مبالاة على مسار القطار، وعلى المسار الآخر، الذي كان معطلًا تمامًا منذ زمن، طويل يقف طفل واحد يلعب وحده مطمئناً إلى أن القطار لن يمر من هنا.

وأمامك أنت ــ كمحوِّل اتجاه ــ ثوانٍ قليلة لتقرر: هل تترك القطار في مساره فيدهس الأغلبية المستهترة، أم تغيّر مساره ليموت الطفل الوحيد الذي اختار الأمان؟ القرار لك.

عاطفيًا، كثيرون سينحازون إلى التضحية بالطفل الواحد بحجة أن إنقاذ الأغلبية أَولى، لكن عند التمعن، يظهر أن القرار العادل مختلف تمامًا: فذلك الطفل لم يخطئ، بل التزم بالسلامة وتجنب الخطر، بينما الآخرون خالفوا القواعد وألقوا بأنفسهم إلى التهلكة. فهل يُعقل أن ندوس الملتزم بالقانون لإرضاء من استهتروا به؟

هذه المعضلة سيعتبرها البعض محض خيال فلسفي،ولكنها هي صورة مصغرة لما نعيشه في واقعنا الرياضي اليوم، مع لجنة التطبيع واتحاد الخرطوم.

وما يحيط بها من جدل وخلاف وجمود إعلامي.

الأغلبية المتهورة بالقوانين والأقلية الملتزمة بالقوانين

الأطفال على المسار العامل: هم الأغلبية التي تجاهلت القواعد، واستهانت بالخطر، وأصرت على اللعب في المنطقة الممنوعة.

الطفل على المسار المعطل: يمثل الأقلية التي التزمت بالقانون، واحتمت بأحكام المحكمة.

القطار: هو القرار المصيري الذي لا يتوقف عند أحد.

المحوِّل: هو الوسط الرياضي ، الذي يجد نفسه أمام امتحان عسير: هل يلتزم بالقانون، أم يرضخ للكثرة؟

خطأ الحسابات وعواقبه

إذا قرر الوسط الرياضي تغيير مسار القطار، أي تجاوز أحكام المحكمة، فإنه يرتكب خطأً فادحاً شبيهاً بقتل الطفل الملتزم:

1. ظلم محقق: الأقلية التي لجأت للقانون ستُسحق لأنها وثقت بالمسار الآمن. فهل يُكافأ من احترم القانون بالدهس؟

2. فوضى قادمة: الأغلبية ستدرك أن الصراخ والضغوط أقوى من القانون، وسينتشر العبث لأن الرسالة واضحة: “ارتكب ما شئت، فالكثرة ستنقذك”.

3. خطر على المنظومة بأكملها: كما أن تحويل القطار لمسار مهجور قد يؤدي إلى كارثة أكبر ويودي بحياة الركاب، فإن ضرب القانون عرض الحائط لن يظلم فئة فحسب، وإنما يهدد بانهيار المنظومة الرياضية كلها.

الإعلام.. الضمير الغائب

المؤلم أن الإعلام، الذي كان يجب أن يكون صوت العقل وحارس العدالة، اختار الصمت أو الانحياز للأغلبية. صار جزءًا من “المسار العامل”، يلهو مع المتهورين بدلًا من أن يرفع صوته بالتحذير. إعلام ضعيف، متخاذل، باع مهنته للحظة شعبوية، فزاد الأزمة تعقيداً بدلاً من أن ينير الطريق.

القرار الصحيح ليس دومًا شائعًا

اليوم يقف الوسط الرياضي عند محوِّل القطار. القرار بيده إما أن يختار الطريق السليم وهو احترام القانون، ولو أغضب ذلك الفئة الباقية، أو يختار الطريق السهل وهو إرضاءهم لكثرتهم ، ولو كان ثمنه سحق للعدالة أو تدمير للمنظومة.

ولعل أصدق ما يوجّههم قول الله تعالى: {وإن تُطِعْ أكثرَ من في الأرض يُضلّوك عن سبيل الله}.

أما أهلك العرب فقد قالوا: ليس الحق بكثرة السالكين، إنما الحق ما وافق الدليل.

والله المستعان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
XFacebookYoutubeInstagram
error: محمي ..