الاتحاد السوداني .. بيت العنكبوت المتهالك
أبو بكر الطيب
إن ما يحدث داخل الاتحاد السوداني لكرة القدم من مخالفات وخلافات إدارية هي صراعات مصالح، جعلته يتحول إلى مسرح هزلي تسيطر عليه الأيادي العابثة بالمال والقرار. إن الفساد الذي ظل يتراكم منذ سنوات انفجر اليوم في وجه الجميع، وها هو الاتحاد يعيش أسوأ مراحله في ظل صراع مرير بين أسامة عطا المنان ومعتمصم جعفر، بعدما فاحت رائحة الأموال الضائعة، وعلى رأسها مبلغ الـ(600) ألف دولار الأخيرة التي كانت سبباً مباشراً لانفجار الخلاف بين الرجلين.
أسامة عطا المنان، الذي نصب نفسه الحاكم العام بأمره داخل الاتحاد، لم يكتفِ بالتحكم في المال، وإنما أحاط نفسه بجدار من النفوذ والتهديدات. يقول للنواب صراحة: “في أي لحظة ممكن نشيل العايزين نشيلو”، وكأن الاتحاد مزرعة خاصة وليست مؤسسة وطنية. هذا الخطاب وحده كافٍ ليكشف عقلية الرجل ويؤكد أنه يقود الاتحاد نحو الانهيار.
الإخفاقات لم تتوقف عند المال، وإنما امتدت للجان القانونية التي تعمل مرة باسم المجلس ومرة باسم الجمعية العمومية، لتغطي على الفضائح وتشرعن الأخطاء.
إن ما يحدث هو ثورة قادمة من الداخل بقيادة الأمير سوركتي. اليوم، يخرج الأمير سوركتي ليقولها بوضوح: “يا أنا يا الاتحاد”، معلناً الحرب على الفوضى وعلى سياسة الاستئثار بالقرار. هذا الصوت الشجاع يمثل بداية موجة تصحيح، لكنه وحده لا يكفي. نريد المزيد من الرجال الأنقياء من يمتلكون قوتهم ويملكون قرارهم، لأن التغيير يحتاج إلى مواقف صلبة من الذين يعتمدون على جيوبهم لا جيوب غيرهم، وعلى المهتمين بالشأن الرياضي، وإلى إرادة جماهيرية ترفض بقاء هذه المنظومة الفاسدة.
دائماً ما نردد ونعيد ونقول أن صمت الأندية والاتحادات يعتبر مشاركة في الجريمة. لقد بلغ السيل الزبى. الاتحادات والأندية التي تكتفي بالتفرج أو بالهمس في الغرف المغلقة تتحمل وزراً لا يقل عن وزر قادة الاتحاد. فالصمت في مثل هذه اللحظات خيانة، والحياد مشاركة في الجريمة.
من الواجب أن تعلو أصوات الأندية والاتحادات وأن تجاهر بما يصلها من أخبار وتصريحات تهز المصداقية وتفضح التلاعب، لا أن تدفن رؤوسها في الرمال وكأن شيئاً لم يكن.
متوكل الزنجي .. قانون بلا قانون
ولأن الفساد يلد الفساد، نرى اليوم اللجنة القانونية برئاسة متوكل الزنجي وقد تحولت إلى أداة لإعادة إنتاج الأزمات لا لحلها. المتابعون يؤكدون أن لجنة التطبيع باتحاد الخرطوم تنتظر خطاباً من الزنجي يمنحها الشرعية في تكوين لجان عدلية، والكل يعلم أن الزنجي استمرأ اللعبة حتى غدت القرارات تصدر باسمه وحده، دون مشاورة أو ضوابط أو التزام بالمؤسسية.
وفي المثل المصري يقولون: “اسمعوا دا.. بطلوا دا”، وهذا بالضبط ما نراه من الزنجي ولجنته: قرارات متناقضة، متسرعة، بلا أفق، هدفها الوحيد تثبيت مواقع النفوذ وحماية رؤوس الفساد داخل الاتحاد.
قبل الختام
إن ما يحدث من أخطاء باسم الاتحاد السوداني هو انهيار شامل في منظومة كرة القدم السودانية. اتحاد يترنح بين فساد مالي، وقبضة ديكتاتورية، ولجان قانونية مسيسة.. إلى متى نصبر؟ على الأندية والاتحادات أن تخرج من صمتها، أن تقول كلمتها بوضوح، وأن تضع مصلحة الكرة السودانية فوق أي اعتبار. السكوت لم يعد ممكناً، والوقت ليس في صالح أحد. إما أن ننقذ اتحادنا اليوم أو سنستيقظ غداً على أنقاض كرة سودانية فقدت سمعتها وهيبتها.
وأهلك العرب قالوا: أليس من سخرية القدر أن يفصل الجهلة في القضايا القانونية الخطيرة لتضيع حقوق الأندية والاتحادات في زحمة التخبط والعشوائية؟ أليس من العار أن تترك مقدرات ولاية الخرطوم تحت رحمة من يستخف بهذه المقدرات بجهل ومجون كما لو كان يدير طبلية سجائر؟
والله المستعان.

