الاستنساخ الإداري
يبدو أننا تطورنا في مجال إدارة كرة القدم في الخرطوم فلم نعد تُدير بالعقل البشري، فقد انتقلنا إلى مرحلة جديدة يمكن تسميتها بـ مرحلة الروبوتات الإدارية، حيث يُعاد إنتاج نفس الأخطاء بنفس الشكل، وكأننا أمام نسخة مستنسخة بلا تفكير ولا مراجعة.
فمنذ أن قرر الاتحاد السوداني لكرة القدم تشكيل لجنة تطبيع لإدارة اتحاد الخرطوم، والمشهد يزداد عبثية: لجنة مؤقتة من المفترض أن تسيّر النشاط وتجهز لانتخابات، فإذا بها تتقمص أدوار الجمعية العمومية وتُنشئ لجانًا عدلية، وكأنها تملك العصا السحرية لتتحول من “ساعي بريد إداري” إلى “قاضٍ وجلاد”.
أسئلة مشروعة..
ولكن بلا إجابة
هل من المنطق أن تُصبح اللجنة التي عُيّنت بقرار إداري طرفًا في النزاع، ثم تعيّن بنفسها القاضي الذي سيحكم ضدها أو لصالحها؟
هل يجوز أن تتدخل لجنة التطبيع في عمل لجان الانضباط، وتُلغي أحكامها أو حتى تُلغي وجودها؟
أليس هذا مخالفًا للتسلسل القانوني الواضح: انضباط → استئنافات → ولا مكان لـ”لجنة التطبيع” في هذا الهرم القضائي؟
وهل يُعقل أن لجنة وُجدت بقرار محل طعن قضائي، تستمد منه شرعيتها، ثم تتوسع حتى تُصبح مشرّعًا وقاضيًا ومنفذًا؟
هذه الأسئلة، وغيرها هي ثقوب في جدار المنطق، تفضح حجم التناقضات التي تسبح فيها لجنة التطبيع.
الاستنساخ القضائي:
نسخة مشوهة
اللجان العدلية التي أنشأتها لجنة التطبيع هي نسخة مشوهة من الأصل. أشبه ببرنامج “روبوت” تمت برمجته ليُعيد إنتاج نفس الأوامر مهما كانت النتائج. لكن الفرق أن الروبوت على الأقل لا يتعارض مع نفسه، بينما هنا نرى لجنة تعيّن لجنة قضائية لتحاكم نفسها، ثم تملك هي في أي لحظة حق إنهائها.
وقديما قالوا :
من جعل خصمه قاضيه، فقد حكم على نفسه بالهزيمة قبل أن يبدأ.”
أين محمد حلفا؟
وفي خضم هذا العبث، يطل سؤال لا يقل أهمية:
أين الأستاذ محمد حلفا، رئيس الدائرة القانونية بالاتحاد العام؟
هل هو الراعي الرسمي لهذا الاستنساخ الإداري، يُباركه ويشرعن له؟
أم أنه آخر من يعلم، يجلس متفرجًا وكأن الأمر لا يعنيه؟
أم أن أذنه بها وقر، فلا يسمع ضجيج “الروبوتات الإدارية” التي تتحرك باسمه وتحت مظلته؟
إن كان يُبارك، فالمصيبة في شرعية القانون نفسه.
وإن كان لا يعلم، فالمصيبة أعظم: كيف لرئيس الدائرة القانونية أن يُفاجأ بلجان “روبوتية” تعمل بسلطاته؟
أما إذا كان يعلم ويتغاضى، فقد صدق القائل حين قال:
“أعورٌ يرى العيب في العين السليمة، ويقسم أن البصر بخير.”
وقبل الختام :
من البطلان إلى فقدان الثقة
أن لجنة التطبيع في اتحاد الخرطوم لم تكتفِ بتجاوز حدودها، وإنما قفزت إلى المجهول:
استُنسخت بلا شرعية من قرار قضائي موقوف.
مُنحت نفسها صلاحيات لا يملكها إلا الجمعيات العمومية.
نصّبت لجانًا قضائية تحاكمها، وهي نفسها التي عيّنتها.
وأدخلت القضية في نفق جديد من الفوضى القانونية والإدارية.
هكذا يتأكد لنا أن الاستنساخ الإداري أخطر من العقم الرياضي، لأنه يُنتج نفس الأخطاء بأسماء جديدة، ويزرع الشك في نزاهة اللعبة وعدالة مؤسساتها.
وأهلك العرب قالوا :
إذا كان الغراب دليل قوم، دلهم على جيف الكلاب.فلا وصل القوم ولا وصل الغراب
فكيف إذا كان الروبوت هو الدليل
والله المستعان

