في السلك

صابرين

عدد الزيارات: 21٬003

بابكر سلكبابكر سلك

أول ما يقول لك شخص “صابرين”، ينصرف تفكيرك مباشرةً إلى تلك المحطة الكبيرة التي تتوسط امتدادات الثورة.
– أنتم أين؟
– نحن في صابرين.

وكلمة “صابرين” فيها تورية جميلة جدًا كمحسن بديعي بلاغي مهول. المعنى القريب الظاهر غير المراد هو تلك المحطة التي أصبحت تجمعًا وسوقًا ومركزًا للمواصلات. أما المعنى البعيد، وهو المراد، فهو أن “صابرين” هؤلاء أناس وليسوا محطة؛ أناس يقفون في محطة صابرين.

ومحطة صابرين التي يقفون فيها هذه، لها اسم آخر، اسم شعبي قدييييييم، اسم له ستة وتسعون عامًا، ألا وهو “محطة الصفر”، أشهر محطات التاريخ.

في محطة صابرين، يوجد صاحب محل تسجيلات مجنون ومبدع، مكتبة موسيقية عامرة ومليئة بالأغاني السودانية. تحضر “كاشك” و”فلاشك” وينزل لك الأغاني التي تريدها. بالمناسبة، هذا الشخص قديم، وقد فتح محله هذا منذ أن كان اسم المحطة “محطة الصفر”.

المهم، ذهبت إليه وحييته، وقلت له: “أريد أغاني (الشامة) في الأغنية السودانية”.
قال لي: “راااااقدة! وهل في أغانينا شيء غير الشامة؟”

أصابتني عطسة وأنا أحاول أن أتكلم، كنت أريد أن أقول “شامة”، فخرجت مع العطسة “تشاما”.
قال لي: “رحمك الله”.
وبدأ يسألني: “عندنا (ذات الشامة) لوَردي، وعندنا (نانا يا نانا) لسيد خليفة الذي يقول فيها: (الشامة الفي خديدها وضعوها للريدة)، وعندنا (حلاة الشامة في خدك). ماذا تريد بالضبط؟ أخبرني وأنا تحت أمرك”.

قلت له: “أريد كل أغاني الشامة، أي أغنية فيها شامة أريدها، حتى لو كانت (هنا شامة وهنا نقطة.. آآي.. سمح أنت وعسل أنت)”.
قال لي: “هل أعطيك أغنية (أسمر جميل عاجبني لونه) للكاشف؟”
قلت له: “لكن هل أغنية أخينا الكاشف هذه فيها شامة؟”
قال لي: “نعم فيها شامة، ألم تسمعه عندما يقول:
أسمر جميل فاق في الوسامة
(صفوة جمال) وجهه ابتسامة
فوق الخديد عاجباني شامة
من العيون يا الله السلامة”

ثم قال لي: “طبعًا (صفوة جمال وجهه ابتسامة) أعجبتك”.
قلت له: “الأكثر إعجابًا هو قوله: (فوق الخديد عاجباني شامة)”.

المهم، نزلت منه ستة وتسعين أغنية فيها “شامة”. ثم عطست مرة أخرى (تشاما)، وحمدت الله فشمّتني. قلت له: “غفر الله لي ولكم وللشامة في خده التي خُلقت للريدة”. شامة أربكت الناس إرباكًا.
حييته وودعته، وقلت له: “سأعود إليك مرة أخرى”.
قال لي: “فقط عليك بالله أن تغير سائق التكسي الذي أحضرك، أو اخصمه وقل له: خصمتك بالله، سأريك هذا العفن إن ضربته. الناس في صابرين هذه شامتهم في رأس أنفهم، وما بهم يكفيهم. ستة وتسعون عامًا وهم (يُصفّرون) في العداد”.

لكن، طالما ذكرنا سيرة الشامة في الأغنية، دعونا نرى سيرة الشامة في كرة القدم. فمجتمعنا الكروي عجّ بشامات كثيرة ومؤثرة. هل تتذكرون “أبو شامة”؟ كان الناس يتابعونه ويغنون: “صفوة جمال وجهه ابتسامة”. والآن عندنا الجيلي أبو شامة، عضو لجنة التسيير، وحتى الهلال نفسه كان به لاعب اسمه أبو شامة. عرفها باكرًا. الشامات في الوسط الكروي كثيرة، الله يزيدها.

المهم، الإخوة الأهلة الشرفاء، في هذه الأيام يهاجمون “العليقي”، مستنكرين مشروعه. قالوا: “ما هذا المشروع؟ ماذا يزرع أصلًا؟ لو كان يزرع كِلية لكانت قد نبتت”.
لكني أقول لهم: مهلًا إخوتي، لا تدعوا الظروف تشكلكم، بل شكلوا أنتم الظروف. اذهبوا إلى صابرين، نزلوا أغاني الشامة في الطرب السوداني، واصبروا. ولن أوصيكم بالصبر، فالصبر شيمتكم. صبرتم حتى عجز الصبر عن صبركم. واصلوا الصبر حتى يأذن الله في أمركم، إما أن تصبحوا مريخابًا أو تتركوا هذه الكرة. اصبروا على مشروع العليقي، يبدو أن الرجل يزرع في مشروعه هذا “صندلًا”، وشجرة الصندل تحتاج إلى أربعين سنة حتى تنضج. اربطوا حزامكم، أقصد قاشكم، واصبروا.

قد لا يكون العيب في العليقي، قد يكون العيب في الهلال ذاته. ألم يقل الراحل صلاح سعيد في مقولته الشهيرة: “لو أرسلت الهلال ليحضر لك علبة سجائر برنجي من البقالة، سيحضرها لك بدون كأس”. قد يكون السبب هو الهلال نفسه، لكن ليس بيده. هذه “الجويات” لا يمكن أن تكون قد تغلبت على الهلال هكذا. ربما الهلال لا يريد إحضار كأس بالطائرة لأنه يعاني من فوبيا الطائرات. هلال الدين طيارة! لذلك، إما أن تصبروا أو تصبحوا مريخابًا. ولكن أرجوكم، لا تضربوا من يخبركم بهذا العفن.

أيها الناس، (إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ).
أها.. نأتي الآن إلى “شمارات” والي الخرطوم.
هل تعلم يا والينا، لو أكثرتم “الدويات” ستجدوننا جميعًا قد أتينا. كهرباء وماء وغلاء، كل هذا لا يهمنا.

سلك كهربا: ننساك كيف وقد قال الحكيم: “الإنسان يزرع شجرة الصندل كي يستفيد منها أحفاد أحفاده”. ازرع يا عليقي، كل الناس صابرة، وماذا لديها لتفعله؟

وإلى لقاء.
سلك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
XFacebookYoutubeInstagram
error: محمي ..