لجان تولد مرتين وقرارات في الظل

أبو بكر الطيب
من بورتسودان، حيث يجتمع الاتحاد السوداني لكرة القدم برئاسة السيد معتصم جعفر، كان يفترض أن يكون اللقاء خطوة نحو الإصلاح وترتيب البيت الداخلي، عبر تكوين اللجان المساعدة وتوزيع الحوافز المعلنة التي تبلغ 600 ألف دولار.
لكن خلف الكواليس، تدور أسئلة أكبر من مجرد “لجان” و“حوافز”، أسئلة تمس مستقبل الاتحاد ومصداقيته أمام الشارع الرياضي.
لجان قبل أن تُولد
الخطوة التي تثير الدهشة – وربما الريبة – أن الاتحاد يتحدث اليوم عن تكوين لجانه المساعدة رسميًا، بينما لجان بعينها، وعلى رأسها اللجنة القانونية برئاسة متوكل الزنجي، مارست اختصاصاتها منذ فترة وأصدرت قرارًا مصيريًا هو تكوين لجنة تطبيع اتحاد الخرطوم!
فالسؤال البديهي:
كيف للجنة لم يتم تكوينها بعد أن تجتمع وتصدر قرارات مؤثرة في مصير الاتحادات؟
وأي سند قانوني يبرر هذه الممارسات؟
إنها معضلة تكشف عن تناقض صريح: اتحاد يشرعن قرارات لجان غير موجودة، ثم يعود لاحقًا ليمنحها شهادة ميلاد رسمية.
شرعية متأخرة أم تغطية على أخطاء؟
التوقيت نفسه يثير الريبة: لماذا تأخر تكوين هذه اللجان حتى اليوم؟
هل الهدف هو إضفاء شرعية لاحقة على قرارات اتخذت في الخفاء، لتبدو وكأنها صادرة بطريقة رسمية؟
وإذا كان الأمر كذلك، أليس هذا إقرارًا ضمنيًا بأن الاتحاد أدار شؤونه طوال الأشهر الماضية في غياب الأطر القانونية واللوائح الصحيحة؟
حوافز الـ600 ألف دولار
أما الحديث عن الحوافز المالية البالغة 600 ألف دولار، فيفتح بابًا آخر من الأسئلة:
من يراقب عملية التوزيع؟
هل تدخل ضمن ميزانية معتمدة من الجمعية العمومية، أم أنها اجتهاد إداري في الظ
وهل ستخضع للمراجعة من اللجان الجديدة، أم ستظل حكرًا على المكتب التنفيذي؟
الإعلام الرياضي من حقه أن يعرف: من أين جاءت هذه الأموال؟ ولمن ستذهب؟ وعلى أي أساس يتم توزيعها؟
صفقات وتسويات تحت الطاولة
المؤشرات القادمة من داخل الاتحاد تقول إن الاتحاد يحاول تمرير تسويات ومساومات مع بعض المناوئين والمعارضين، ربما لشراء الصمت أو امتصاص الغضب. لكن هذا النهج يطرح سؤالًا أشد خطورة:
إذا كان الاتحاد واثقًا من نزاهته وقراراته، فلماذا يلجأ إلى هذه الأساليب الملتوية بدلًا من مواجهة المواقف بشفافية؟
مكاشفة أم مزيد من الغموض؟
الإعلام الرياضي، الذي يتابع هذه الأحداث بقلق، يريد وضوحًا لا التباسًا. يريد اتحادًا يفتح أبوابه للرقابة، لا اتحادًا يغلقها بالمفاتيح ويترك الجميع يتساءل:
هل نحن أمام اتحاد رياضي يدير اللعبة بالقانون، أم أمام “شركة خاصة” تُدار بمزاج أشخاص وصفقات تحت الطاولة؟
قبل الختام
أمام هذه الوقائع، يصبح واجبًا أن نسأل:
كيف يمكن لاتحاد يبدأ عمله بتجاوزات إجرائية ومالية أن يقود مسيرة إصلاح حقيقية؟
وكيف نثق في شعارات الشفافية إذا كانت أبسط خطواته – تكوين لجان مساعدة – يحيط بها هذا الكم من الغموض والتناقضات؟
إن العاقل من اتعظ بغيره، والجاهل من كان عبرة لغيره.
لكن ما نراه اليوم من ممارسات يجعلنا أمام مشهد أقرب إلى الاستغباء المتعمد، حيث يظن البعض أن الجماهير ستبتلع هذه التناقضات بصمت، وأن الأندية والإعلام سيغضون الطرف عن التجاوزات.
غير أن الغباء الحقيقي – كما قال الحكماء – هو أن تظن أنك أذكى من الجميع، بينما الحقيقة أن الجميع بات يراك على حقيقتك.
وأهلك العرب قالوا:
الفرق بين الغباء والعبقرية هو أن العبقرية لها حدود. والشخص الذكي حقًا لا يخطو أي خطوة إلا بعد أن يحسب لها ألف حساب، على عكس من يتصف بالغباء.
والله المستعان.
