الاتحاد العام في الإنعاش..
أبو بكر الطيب
مطلوب معجزة لإنقاذ حياة الاتحاد العام في ظل انعدام الرؤية والتنبؤ بمستقبل الكرة السودانية
إن كرة القدم لن تُبنى بطولاتها على الأمنيات، ولا تُدار اتحاداتها بالعناد والعشوائية. لكن الاتحاد العام السوداني ، وبكل أسف، يعيش اليوم حالة من “اللاوعي المؤسسي”. كأنه مريض في غرفة الإنعاش، يصرّ على مغادرة السرير لإكمال حياته الطبيعية، بينما الأطباء والجميع يعلمون أنه في حالة موت سريري لا يُرجى شفاؤها إلا بمعجزة.
الاتحاد يعاني الفشل الكلوي والكساح
إذا جاز لنا استعارة لغة الطب في وصف حال الاتحاد، فإن الصورة تصبح أوضح:
فشل كلوي مزمن يعكس العجز المالي التام. وأندية الممتاز مثقلة بالديون، بلا رواتب ولا حوافز، وعاجزة حتى عن السفر أو الإعداد. ورغم ذلك يتحدث الاتحاد عن الاعداد
لبطولة قومية قوامها (24) نادياً، وأندية لا تجد ما تدفعه للاعبيها.
إنه كساح حركي وشلل تنظيمي كامل؛ لا روزنامة واضحة، ولا لوائح مُعلنة، ولا قدرة على تسيير نشاط مستقر تلوح في الأفق.
واختلال عقلي وانفصام بقرارات متناقضة بين يوم وآخر، لوائح بلا سند قانوني، ونتيجة ذلك كله طعون وشكاوى تنهال من كل حدبٍ وصوب.
نقص الصفائح الدموية ينبيء بفقدان الشرعية والدعم. ونصف الأندية تقريباً ترفض المشاركة، وعدد من الاتحادات الفرعية أعلن التمرد صراحة، كما حدث في ودمدني وإعلان ما يسمى “بالاتحاد الفيدرالي”.
ارتفاع الحرارة مؤشر لحالة الاحتقان المتفاقمة. وشكاوى أمام “كاس”، ولجان تخطئ ولا تتراجع، وملاعب متهالكة، ولاعبين موزعين داخلياً وخارجياً، وانهيار مادي يعصف بالجميع.
و24 نادياً.. وهم الأرقام الخادعة
يدّعي الاتحاد أن (24) نادياً مؤهلة للمشاركة. لكن القراءة الواقعية تكشف أن نصف هذا العدد على الأقل غير قادر على خوض أي منافسة حقيقية.
فكيف لأندية مثل ود نوباوي أو مريخ نيالا، أو حي العرب وأهلي شندي إذا قُدّر لها العودة، أن للدخول واللعب في هذا الموسم الجديد فكيف لهذا الكم من الاندية يتثنى له اللعب ؟
هل يلجأ الاتحاد، كعادته، إلى سنّ “السنن السيئة” للمخارجة من الضائقة والإحراج؟ أم يواصل بيع الوهم للجماهير تحت لافتة “الظروف الاستثنائية”؟
القانون الغائب.. وكاس تترصد
يقف الاتحاد هذه المرة في مرمى الطعون والشكاوى القانونية. ملفات مفتوحة أمام محكمة التحكيم الرياضية (كاس) قد تنسف أي محاولة لتعديل وضعيته المائلة.
الطريق الوحيد لاستعادة الثقة هو إصدار قرارات دستورية، ولوائح قانونية تستند إلى النظام الأساسي، تعيد الشفافية في إدارة النزاعات، وترد الحقوق إلى الأندية والاتحادات. غير ذلك، فلن تكون سوى محاولة جديدة للهروب إلى الأمام.
الأمن المنعدم والبنية المنهارة
ثم تأتي المعضلة الأمنية. الملاعب في ولايات عديدة تحولت إلى ساحات معارك أو مناطق غير آمنة. الجماهير التي كانت تسند اللعبة أصبحت عاجزة عن الحضور. البنية التحتية دُمرت بلا صيانة أو تأهيل.
ومع كل ذلك، يكتفي الاتحاد بالشعارات والوعود، وكأن الكلمات تكفي لتشييد الملاعب أو تأمين المباريات.
وقبل الختام : –
وهم البطولة ومعجزة الغيب
حين تجمع كل هذه العوامل: عجز مالي، انهيار أمني، انقسام قانوني، وتدهور بنيوي، تصل إلى نتيجة واحدة:
الاتحاد السوداني في حكم الغائب، أو بله “ الغائب”.
إن أي محاولة لإقامة نشاط لن تكون أكثر من مسرحية شكلية بلا قيمة: بطولة بلا روح، بلا جمهور، وبلا شرعية.
النصيحة والرأي
النصيحة للاتحاد بسيطة: اعترف بالعجز قبل أن تزجّ بالأندية والجماهير في وهم جديد. البداية الصحيحة هي مراجعة الذات، والبحث عن حلول جذرية تبدأ من إصلاح القاعدة، لا من محاولة القفز إلى القمة.
واهلك العرب قالوا :
من رام المستحيل عاش في التيه والضلال .
ولا يجتمع عجز وتدبير.”
واليوم يبدو أن الاتحاد العام جمع بين الاثنين؛ عجز عن الفعل، وغياب عن التدبير. فلا عجب أن صار مسرحاً للمسرحيات المبتذلة، ينتظر معجزة لا تأتي إلا من السماء.
الحلقة القادمة تحت عنوان:
“لجان الاتحاد.. عبء يضاعف الأزمة”
والله المستعان

