
صوفي أبو سمرة
في خضم شواغلنا وملاهي الحياة يأتينا المريخ منسربًا من حنايا الروح تولّهًا سرمديًا، يسير بنا في دروب الحب وطنًا آخر نسكنه، وملاذًا آمنًا وعشقًا باذخًا يغطي على كل سوءات زماننا، ونحمله معنا أينما رحنا وارتحلنا.
هناك ومن معقل فريق سانت لوبوبو الكونغولي عصر السبت المنصرم كانت انطلاقة المريخ في مستهل الاستحقاق الأفريقي بدوره التمهيدي الأول. لم ندخله بائسين نثير الشفقة ونستحق الرثاء كما كنا في عام الرمادة، والذي تلاه موسمان من التعاسة والأماني المؤجلة، ونحن صابرون محتسبون، ولكنا على يقين بأن من ظهر المريخ سيأتي نجباء آخر الصبر وينتشلونا من وهدة الانهيار الذي أصاب فريق الكرة وأوردنا موارد الخذلان.
فجاءت لجنة التسيير، ومنذ تعيينها استطاعت كإدارة آمنة — هي كل ما كان ينقص فريق المريخ — أن تعود بنا للحظات افتقدناها كثيرًا، وهي أن نجلس أمام الشاشات والزعيم يلعب والعشم يحدونا والأماني عراض، وحلم لا يختلف عن حلم أنصار منافسنا. فقد أتاحت لنا إدارتنا، بمؤسسية صنيعها، فرصة أخرى لتطلعات مشروعة تمضي بنا مع بداية التنافس القاري إلى احتمالية الترقي، مصطفة جنبًا إلى جنب مع كل التوقعات، حين ملكتنا منطقية الأسباب وواقعية المعينات التي وفرتها، لتقودنا إلى فارهات الحلم والتطلعات من جديد.
لا شيء الآن، والزعيم يلعب منافسًا بأكثر من فرصة ينكس رايتنا، وكل الأحلام ترافقنا في رحلة البحث عن عودة حتمية تنقلنا إلى الدور القادم مثلنا مثل من أقام إعدادًا كافيًا واستعدادًا وافيًا، وأعد للمنافسة عدتها. وإن كان هو متقدمًا علينا بهدف وثلاث نقاط، فأمامنا تسعون دقيقة مفتوحة على كل الاحتمالات وتقبل كل التوقعات، والزعيم قادر على فعلها مثلما فعلها سابقًا وفي أكثر من مناسبة، والسبت أحمر مصفّر بشعارنا لون النار والذهب. بملعبنا الافتراضي بمدينة بنغازي الأرض أرضنا، والجمهور عاشق أحمر يحتشد تطلعًا وشوقًا لمعانقة الزعيم، ليملأ جنبات ملعب شهداء بنينا، ويكون جزءًا من الملحمة وصناعة الحدث والعودة في مباراة للتاريخ، حيث يسعى المريخ لكتابة أسطره من جديد.
بعد أن أقنع المريخ أنصاره والمراقبين أداءً وشكلًا أمام منافسه الكونغولي في لقاء الذهاب بأن المريخ لن يكون خصمًا سهلًا ليترقي الكونغولي على حسابه إلى الدور التمهيدي الثاني، وإن التعويض ممكن والعودة ليست مستحيلة.
كان شكل الفريق مرضيًا إلى حد مقبول وفق معطيات الإعداد وقصر فترته تحت إدارة فنية جديدة لم يتسنَّ لها بعد معرفة كل عناصر الفريق الذين هم أيضًا في غالبيتهم وافدون جدد على الفريق، بعد فترة الإحلال والإبدال الناجحة التي ضم فيها المريخ عناصر وطنية وأجنبية تميزت مع فرقها السابقة ومنتخبات بلادها في مختلف الخانات، ووفق ما آلت إليه الأوضاع في النادي الكبير عقب تسلم لجنة التسيير مقاليد الإدارة، وعملية البناء على أساس سليم ومدروس، ومحاولة إصلاح ما أفسدته الإدارة السابقة والظروف المعقدة التي كان يعيشها الفريق، ومع هذا ظهر المريخ بشكل يبشر بظهور مختلف ويعزز الطموحات في التطلع لخطف بطاقة التأهل للدور القادم.
وبعيدًا عن فنيات اللقاء السابق التي نالت حظها تناولًا وتحليلًا، وبدون الخوض في ما يجب أن تكون عليه خطة اللعب وطريقة التنظيم عشية اليوم، فتلك أمور نتركها لأهل الشأن، جهاز فني ولاعبين وقيادة البعثة ببنغازي، حيث تقع المسؤولية كلها على عاتقهم. ونثق كل الثقة في قوة عزيمتهم وروح التحدي التي أظهروها عقب لقاء الذهاب وتصريحاتهم بإصرارهم على مواصلة الظهور الطيب وتحقيق حلم شعب المريخ والعودة ببطاقة التأهل للدور التالي. ونحن من هنا وحتى انطلاقة صافرة الحكم لا نملك لهم غير الدعم والمساندة والابتهال لله تضرعًا أن ينصرهم نصرًا مؤزرًا.
ولا ننسى أن نزجي جزيل امتناننا وفائق تقديرنا لنخص به من صنعوا كل هذا الفرق، وعادوا بنا إلى مريخ نعرفه ويسعدنا — أعضاء لجنة التسيير — الذين يبدو أنهم حسبوا لكل شيء حسابه، رجال صدقوا ما وعدونا به، وكانوا بقامة المريخ وعلى قدر فخامة اسمه ونصاعة أمجاده. إدارة مجتهدة عملت في صمت بجهد لا تخطئه عين ولا ينكره إلا كل معارض لمصلحة الكيان، تسابق الزمن والأحداث لتنجز ملفات صعبة وشائكة، وكان لها ما سعت، ولنا ما تطلعنا إليه طويلًا، فريق بخامات يمكنها مقارعة كبار القارة، لتخطو بالمريخ إلى مراحل متقدمة في البطولة كوضع طبيعي يستحقه فريق عريق صاحب تاريخ مميز وأمجاد مكتوبة في سفر الأبطال.
فقد أتاحت لنا إدارة المريخ — بحنكة إدارتها ورغبة صادقة لترميم الخراب الذي ورثوه — العودة لأماني مشروعة بفرح قادم نستحقه. لا شيء والزعيم في هذا الدور بروح جديدة وعناصر جديدة تملك خاصية صناعة الفارق، يفصلنا عن تحقيق ما نصبو إليه إلا ظروف الميدان ومستجدات اللقاء التي نتمناها أن تقف إلى جانبنا وتنحاز لنا.
مع عزيمة أبطالنا سنعبر بمشيئة الله إلى الخطوة التالية، وبعدها لكل مرحلة حساباتها، ونحسب أن المريخ بفريقه الحالي وعناصره المميزة قادر على المضي قدمًا إلى مراحل أعلى، وما الإنجاز إلا حلم يتحول إلى واقع بالعزيمة والإصرار على البذل والعطاء، مع توفر وإعداد كل معينات النجاح في الوصول إلى الهدف المنشود، مع إدارة قادرة عرفت مكامن القصور والخلل في الفريق، وعملت على معالجتها في زمن قياسي وظروف ضاغطة. ورغم ذلك تمكنت من التعاقد مع جهاز فني مقتدر وإضافات نوعية بمقدرات فنية جيدة، لتوفر الإعداد المطلوب نوعًا ما، والابتعاد بالفريق من كل الضغوطات، ثم السفر مبكرًا إلى بنغازي ومواصلة التحضير من هناك، مما يخلق المزيد من أجواء الانسجام والتعود، لتتيح هذه العناصر للجهاز الفني صناعة المجانسة واختيار تشكيلة مناسبة وتجهيز بدائل بنفس قيمة الأساسيين تحسبًا لأي طارئ لا قدر الله.
إذن فالمريخ جاهز عشية اليوم لاستكمال ما بدأه بلوبومباشي من شكل مرضٍ ونتيجة يمكن تعويضها رغم النقص ورغم كل الظروف التي كانت تحيط بالأداء في الظهور الأول.
اليوم كلنا على موعد لعودة المارد الأحمر ليحتل موقعه الطبيعي في خارطة التنافس برابطة الأبطال مع كبار القارة إن شاء الله. الأحمر الوهاج شعار أحببناه أعمق مما يجب، وعشق يلازم أرواحنا أكثر مما ينبغي لمجرد فريق في لعبة كرة قدم. وأحلامنا معه لا تعرف التوسط، فهي تتلألأ كالنجوم في عليائها دائمة البريق، وعشقنا له إحساس لم نجد له متسعًا على خارطة البوح بعد، نهيم بعشقه وحسب، نرومه على الدوام مستقرًا شامخًا منتصرًا.
تشجيعنا للمريخ هو شغف كل الأرض، جاءنا في نجمة مرسومة على القلب، تنبض بالحياة محبةً وتفاخرًا بصدق انتمائنا له.
وأخيرًا إلى لاعبي المريخ:
كونوا اليوم في الموعد تمامًا، وسنكون بخير جدًا.
لمزيد من المقالات من الكاتبة: صوفي أبوسمرة
صافرة تونسية لمواجهة المريخ ولوبوبو في بنغازي
Beta feature


