حلفا والجزار…
أبو بكر الطّيب
صار القانونُ مطيّةً للهوى في الاتحاد السوداني لكرة القدم العام، القانونُ يُرفعُ شعارًا في الاتحادِ العام ويُداسُ واقعًا وفعلًا.
ما دعانا للخوضِ في هذا الملفّ ليس شغفًا بالجدلِ ولا سعيًا للخصومة، ولكن لأنّ رئيس لجنة المسابقات بالاتحادِ العام، محمد سليمان حلفا، خرج على الملأ في لقاءٍ تلفزيونيٍّ يتحدث بثقةٍ مفرطةٍ عن التزامه بالقانون، واصفًا نفسه بأنّه ممثله وحارسه الأمين!
حديثٌ مليءٌ بالعنجهيّةِ والتعالي، وكأنّ الرجلَ يملك تفويضًا سماويًا يُنزِّلُ الأحكامَ على الناس، بينما أفعاله وقراراته لا تمتُّ للقانونِ بصلةٍ.
فأيُّ قانونٍ هذا الذي يُطبّقونه بانتقائيّة؟
وأيُّ عدالةٍ هذه التي تُوزَّعُ بالمزاج؟
لقد ظنّ محمد حلفا — وربما أيقن — أنّ الوسطَ الرياضيّ ذاكرته سمكيّة، ينسى اليوم ما قيل بالأمس، ويتعامل مع الوقائع بعاطفةٍ لا بعقلٍ، لكنّ الحقيقةَ أنّ ذاكرةَ الرياضيين هذه المرّة أطولُ من عمرِ التناقضات التي صنعها هو ورفاقه.
الجزار… القبولُ الذي لا يستقيمُ على ساقِ القانون
النظامُ الأساسيُّ الذي فصّله محمد حلفا ورفاقه على مقاسهم التنظيميّ ينصُّ بصريحِ العبارةِ على الآتي:
إنّ عضوَ الاتحادِ العام يجب أن يكون عضوًا في مجلسِ نادٍ منتخبٍ وساري الولاية، أو عضوًا في اتحادٍ محلّيٍّ منتخبٍ غير منتهيةٍ ولايته.”
هذا نصٌّ واضحٌ لا يحتملُ التأويل، لكنّه سقط مع أول اختبارٍ عمليٍّ.
فقد تمّ قبولُ عوضِ الجزار عضوًا في الاتحادِ العام رغم أنّ ناديَ أهلي الخرطوم الذي يُمثّله مجلسُه منتهي الولاية منذ فبراير 2023، أي قبل انتخابات بورتسودان التي جاءت بالتزكية بمدةٍ طويلةٍ.
وهنا يبرزُ السؤالُ الذي يجلجلُ في صدورِ الرياضيين جميعًا:
كيف يُجيزُ الاتحادُ ترشيحَ من لا يملكُ صفةً تمثيليّةً قانونيّةً؟
وبأيِّ منطقٍ تُرفضُ ملفاتٌ مستوفيةُ الشروطِ، بينما تُمرَّرُ أخرى لا أساسَ لها من الشرعيّة؟
لقد كتبوا القانونَ بأيديهم ثمّ خرقوه بأقدامهم، ورفعوا شعارَه في النهارِ ليمزّقوه في الظلام.
تلك هي “عدالةُ الاتحادِ العام” التي تجعلُ من النصوصِ لعبةً، ومن اللوائحِ عباءةً تُلبسُ عند الحاجةِ وتُخلعُ عند المصلحة.
محمد حلفا يُناقضُ القولَ والفعلَ
إنّ وادي حلفا نفسه، الذي يملأ الشاشاتِ ضجيجًا بالقانون، فقد كان أوّلَ من خالفه في قراراته.
برّر في وقتٍ سابقٍ تأجيلَ المنافسات بـ“الظروفِ القاهرة”، وهي ذاتُها الأسبابُ التي دفعت أنديةَ الخرطومِ الثلاثة (ود نوباوي – توتي – الزومة) للاعتذارِ عن المشاركةِ في الدوري الممتاز، لكنّه حين تعلّق الأمرُ بها، تجاهل ما كان بالأمسِ “ظرفًا قاهرًا” وصار عنده اليومَ “عذرًا غيرَ مقبول”!
وقد زاد على ذلك بأن ساوى بين أنديةٍ شاركت في الممتازِ وأخرى اعتذرت، متجاهلًا أنّ لكلِّ نادٍ ظروفَه وملابساته الخاصة، وأنّ المقارنةَ هنا عبثيّة، كمن يقيسُ الظلَّ في الظهيرةِ بظلِّ الليل.
والأسوأُ من ذلك أنّ الاتحادَ العام تجاهلَ خطاباتِ الاعتذارِ الرسميّة من تلك الأندية، ولم يُعلن رفضها في المدى الزمنيّ المقرّر، مخالفًا نصوصَ النظامِ الأساسيّ نفسه.
فهل يُعقل أن يتحدث من يفعل هذا عن القانون؟
أم أنّ القانونَ في عرفهم يُطبّق فقط حين يخدم مصالحهم؟
ازدواجيّةُ المعايير… وجهُ الفسادِ القبيح
تجاهلٌ تامٌّ لخطاباتِ الأنديةِ وعدم الردِّ عليها وفق الإجراءاتِ الرسميّة.
تمييزٌ صريحٌ بين أنديةٍ متساويةٍ في الظروفِ والمعاناة.
قبولُ مرشّحين غير مؤهلين مثل حالةِ الجزار، ورفضُ آخرين استوفوا كاملَ الشروط.
تضليلٌ للرأيِ العام عبر تبريراتٍ إعلاميّةٍ متناقضةٍ لا تصمد أمامَ أبسطِ منطقٍ.
تلك هي الصورةُ الحقيقيّةُ لاتحادٍ يتحدث باسمِ النظامِ وهو أوّلُ من يخرقه، ويرفع شعارَ العدالةِ وهو أوّلُ من يطعنها في الظهر.
همسةٌ في أذنِ عوضِ الجزار… وكلمةٌ من قلبِ النقد
يا عوض، رغم نقاءِ سيرتكَ وحُسنِ سُمعتك، إلا أنّك بقبولك هذا الوضعَ المختل، قد لوّثت صفحةً ناصعةً في مسيرتك.
قبولُك عضويّةً لا تستوفي شروطَها وشروطَ النظامِ الأساسيّ، سواءٌ كان عن رضا أو إكراه، لا يُعفيك من مسؤوليّة المشاركةِ في الخلل.
لقد وضعتَ يدكَ في إناءٍ ملوّثٍ تحتاج لتتطهّر منه ومن دنسه إلى الاغتسالِ سبعَ مراتٍ إحداهنّ بالتراب.
فالمناصبُ لا تُبرّئ، والمواقفُ وحدها هي التي تُطهّر.
وقبل الختام:
يا من تتحدثون عن القانون… احترموا عقولَ الناس.
نقول لمحمد حلفا ومن يسير في ركبه:
احترموا عقولَ الناس قبل أن تتحدثوا عن القانون.
القانونُ ليس ما تقولونه على الشاشات، وإنما ما تُطبّقونه حين لا تراقبكم الكاميرات.
واهلكم العربُ قالوا:
في مثلِ هذه المواقف قولًا يليق بكم:
“من جعل نفسه فوق القانون، جعله القانونُ تحت أقدامِ الناس.”
وقالوا أيضًا:
“من خان الحقَّ، خان نفسه وإن زعم أنّه ناصره.”
فهل يُدرك الاتحادُ العام قبل فوات الأوان، أنّ احترامَ القانون يبدأ من احترامِ الناس؟
أم يظنّ حقًا — كما يظنّ حلفا — أنّ ذاكرةَ الوسطِ الرياضيّ سمكيّة؟
الزمنُ كفيلٌ بالإجابة… والذاكرةُ أطولُ مما يظنّون.
واللهُ المستعان.
مقالات ذات صلة:
- الاتحاد العام في الإنعاش..
- استغلال القانون
- التطبيع إهانة للوائح والتاريخ
- الاتحاد في مواجهة العاصفة
- النبت الشيطاني في الرياضة
