إنَّ الأحداثَ الرياضيّةَ الأخيرة، كان من المتوقّع فيها ومن لجنةِ تطبيعِ اتحادِ الخرطوم هو الصّمودُ والعُنفوان، وهو إعلانُ “حالةِ الطّوارئ” دفاعًا عن كرامةِ أنديتها، لكنَّ ما حدث كان صدمةً موجعةً، وتنازلًا باهتًا لا يليقُ بتاريخِ الخرطومِ الرياضيّةِ ومكانتها الرّائدة.
لقد فُوجِئ الوسطُ الرياضيُّ ببيعِ القضيّةِ بثمنٍ بخسٍ، وتقديمِ تنازلٍ فاضحٍ لا يمكنُ وضعُه إلّا في خانةِ الخضوعِ المُذلِّ للضّغوطِ، أو المجاملةِ الرّخيصة، لقد ضربتِ اللجنةُ بمصلحةِ من تمثّلهم عرضَ الحائط، مكرّرةً المقولةَ المؤلمة: “إذا لم تَستحِ، فافعَل ما شِئت”.
القضيّةُ العادلةُ والتّنازلُ المُخزي
القضيّةُ واضحةٌ كالشّمسِ ولا تحتاجُ إلى اجتهادٍ: ثلاثةُ أنديةٍ عريقةٍ من العاصمةِ (ود نباوي، توتي، والزومة) تعرّضتْ لظلمٍ بيّنٍ من الاتحادِ العامِّ السّودانيّ لكرةِ القدم، كان الواجبُ الأخلاقيُّ والقانونيُّ يَفرِضُ على لجنةِ التّطبيعِ أن تكونَ أوّلَ المدافعين، لا أوّلَ المستسلمينَ المُتخاذلين.
ولكن، كيفَ للجنةٍ تمثّلُ أنديةَ الخرطوم أن تقفَ صامتةً ومُبرّرةً أمامَ انتهاكٍ صريحٍ لحقوقِها؟ كيفَ تقبلُ أن يُختزلَ تاريخُ العاصمةِ الرياضيِّ في قرارٍ ارتجاليٍّ يُهدي التّمثيلَ لمن لا يملكُ الاستحقاقَ الفنّيَّ والتّرتيبيّ؟
لقد مارستِ اللجنةُ ما هو أسوأُ من الصّمت؛ مارستْ “مقايضةَ الإذعان”، فبدلًا من الحفاظِ على حقوقِ الأنديةِ المُستحقّة، فَتحتِ البابَ لترشيحاتٍ تُخالِفُ منطقَ التّرتيب، وذهبتْ لتمنحَ “النّاصر” بطاقةَ التّأهيليّ وهو في المركزِ العاشر! هذا يُعدُّ تدميرًا لروحِ العدالةِ وعبثًا مُستهترًا يطعنُ اللوائحَ في مَقتلٍ.
صمتُ الأندية.. تواطؤٌ أم خيانة؟
إذا كانت لجنةُ التّطبيعِ قد اختارتْ طريقَ الخِذلان، فالسّؤالُ الأقوى يُوجَّهُ إلى أنديةِ الدّرجةِ الأولى نفسِها: أينَ صوتُكم الجماعيّ؟ أينَ موقفُكم الموحّدُ؟ هل كُتِبَ عليكم أن تكونوا مجرّدَ أرقامٍ باردةٍ في جدولٍ دونَ روحٍ أو مبدأ؟ إنَّ هذا الصّمتَ المريبَ من أنديةِ الدّرجةِ الأولى لا يمكنُ تبريرُه بأيّ شكلٍ من الأشكال.
لقد طالبنا مرارًا أن تنتفضَ أنديةُ الخرطوم عن صمتِها، أن تُعلنَ كلمتَها بوضوحٍ لا لَبسَ فيه: هل ترضَون بهذا التّهميش؟ هل توافقونَ على تجاوزِ ترتيبِكم الشّرعيّ؟ هل تقبلونَ أن تُدارَ شؤونُكم عبرَ التّرضياتِ والاتّصالاتِ الخاصّة، على حسابِ الكفاءةِ والاستحقاقِ؟
إنَّ الصّمتَ في هذه اللّحظةِ ليس حكمةً، وإنّما هو “تواطؤٌ بالصّمتِ” وشراكةٌ غيرُ مباشرةٍ في إهدارِ الحقوق.
رسالةٌ أخيرةٌ إلى المُتخاذلين
في لجنةِ التّطبيعِ نقولُها بوضوحٍ وصراحةٍ: لقد خذلتم أنديتَكم، وفرّطتم في كرامةِ الخرطومِ الرياضيّة، لقد بعتم تاريخَ العاصمةِ ومكانتَها بقرارٍ لا يتجاوزُ قيمةَ ورقته، كان الواجبُ يفرِضُ عليكم أن تكونوا الحصنَ الحصينَ وصوتَ الحقِّ الصّارخ، لا صدىً للمجاملاتِ الخافتة.
ليس العيبُ أن تُخطئوا، فكلُّ بني آدمٍ خطّاء، ولكنَّ العيبَ كلَّ العيبِ أن تُبرّروا الخطأَ وكأنّه صوابٌ لا يقبلُ الجدل، وأن تفقدوا احترامَ من تمثّلونَهم بالخضوعِ السّهلِ للضّغوط، فما قيمةُ اللجنةِ إن لم تكن درعًا للأنديةِ؟ وما جدوى “التّطبيعِ” إن كان تطبيعًا مع الظّلمِ والاستبدادِ الكرويّ؟
إنَّنا نضعُ الكرةَ في ملعبِكم وملعبِ أنديةِ الخرطوم ذاتِها، إمّا أن تنهضوا بصرخةٍ واحدةٍ وتُدافعوا عن حقِّكم المُغتصب، أو تبقَوا رهينةً لهذا الصّمتِ المُذلِّ الذي لا يجلبُ سوى المزيدِ من التّهميشِ والنّسيان.
“ليس كلُّ ساكتٍ حليمًا، فبعضُ الصّمتِ خوفٌ، وبعضُه خيانةٌ للحقيقة”، فاختاروا اليومَ مكانَكم في التّاريخ: مع الحليمِ الصّابرِ أم مع الخائنِ السّاكت؟
وأهلكم العربُ قالوا: “من باعَ حقَّه بصمتِه، اشترى ذُلَّه برُخصٍ فادحٍ.”
أصعبُ الألمِ أن ترسمَ الضّحكةَ على شَفاهِك وداخلكَ ينتحبُ من الألم، وأن تُجاملَ من ظلمكَ بالفرحِ والحُزنِ يبني مغارةً في صدرِك، وأصعبُ الألمِ أن تثقَ بلجنةِ تطبيعٍ في زمنِ الغدرِ، وتثقَ في كلامِهم في زمنِ الكذبِ، وتثقَ بالصّوتِ في زمنِ الصّمتِ والجريمة.
واللهُ المستعانُ.

