المريخ الهدوء والعاصفة

أبو بكر الطيب
إنها مرحلة دقيقة يمر بها نادي المريخ، تتقاطع فيها الآمال بالمخاوف، وتتمازج فيها طموحات الجماهير مع هواجس المستقبل، يعيش النادي هذه الأيام حالةً من الهدوء الذي النسبي.
هدوءٌ ظاهري يخفي في أعماقه كثيرًا من الأسئلة والتساؤلات، ومرحلة أشبه بـ“البيات الشتوي” مع بداية الشتاء يتخللها الترقب والانتظار، وربما الخوف مما هو قادم.
لكن خلف هذا السكون، هناك مشهد إداري وفني معقد، يحتاج إلى قراءة علمية هادئة تكشف مواطن القوة ومناطق الضعف، وتضع النقاط على الحروف بعيدًا عن المبالغة أو التهوين. وخارطة طريق يهتدي بها
الخروج الأفريقي.. بداية لمرحلة مراجعة حقيقية
خروج المريخ من التصفيات الأفريقية كان إخفاق موسمي متكرر ودعو إلى مراجعة عميقة لهيكل النادي الإداري والفني.
هذه التجربة، رغم قسوتها، كشفت عن ثغرات في منهج التقييم الداخلي، وأكدت أن النادي بحاجة إلى منظومة تفكير جديدة تتعامل مع الفشل باعتباره فرصة للتصحيح لا منصة للوم والعتاب
فالخروج المبكر لم يكن بسبب عدم تجانس اللاعبين وحدهم، ولكن ايضاً نتيجة تراكمات طويلة من غياب الرؤية والتخطيط العلمي، وعدم وجود آلية واضحة لتقييم الأداء بعد كل موسم.
الكثافة العددية في كشف الفريق… بين الكم والنوع
من أبرز الملاحظات الفنية التي تستحق الوقوف عندها مسألة تضخم الكشف الحالي للفريق، إذ أن الكثرة العددية في اللاعبين ليست بالضرورة علامة صحة، كما يعتقد البعض فقد تكون عائقًا أمام الانسجام والتوازن.وهذا ما ظهر للعيان
فكرة القدم الحديثة تعتمد على الجودة قبل الكثرة، وعلى الانسجام قبل الأسماء.
وتشير الدراسات الفنية إلى أن أفضل عدد لإدارة فريق محترف يتراوح ما بين (25 إلى 28 لاعبًا) كحد أقصى، بحيث يضم الفريق عناصر أساسية وأخرى بديلة، مع مزيج مدروس من الخبرة والشباب.
أما تضخم الكشوفات فيؤدي إلى تشتت الجهود، وإرهاق الميزانية، وإضعاف روح المنافسة الداخلية.وفتح باب الخيرات على مصرعيه
إن المريخ بحاجة إلى لجنة فنية متخصصة تُعيد هيكلة الكشف وفق منهج علمي واضح، يستند إلى فلسفة لعب محددة، لا إلى اجتهادات فردية أو ضغوط جماهيرية آنية.
الاستقرار الإداري.. تجربة جديرة بالإنصاف
رغم ضيق الفترة الزمنية وكثرة التحديات، فإن لجنة التسيير الحالية قدّمت مردودًا إيجابيًا يحسب لها بكل المقاييس.
نجحت في تهدئة الأوضاع، وإعادة شيء من الثقة إلى الجماهير، وأظهرت قدرة على إدارة الملفات الحساسة بروح مسؤولة ومتزنة.
غير أن انتهاء فترتها المحددة يثير الآن مخاوف مشروعة حول مستقبل النادي واستمرارية العمل المؤسسي.
إن هذه اللجنة تستحق أن تُمنح فرصة زمنية إضافية، لتواصل ما بدأته من إصلاحات، وتحوّل النجاحات الجزئية إلى مشروع مستدام.
فقد أثبتت التجربة أن الاستقرار الإداري هو المفتاح الحقيقي لأي نجاح فني أو تنظيمي في المدى البعيد.
مسؤولية اللجان الثلاث… وضوح الرؤية واجب المرحلة
في هذا المفترق الحرج، تتجه الأنظار إلى ثلاث لجان رئيسية، يُنتظر منها أن تضطلع بأدوار تكاملية تُسهم في تثبيت دعائم الاستقرار داخل النادي:
1. لجنة الحوكمة
تقع على عاتقها مسؤولية كبيرة في إقناع لجنة التسيير بالاستمرار خلال المرحلة القادمة، حفاظًا على توازن الإدارة ومنع أي فراغ إداري محتمل.
فالمصلحة العليا للنادي تقتضي استمرار منظومة العمل التي أثبتت كفاءتها خلال الشهور الماضية.
2. لجنة الانتخابات
عليها أن تُعلن برنامجها الزمني وموقفها الرسمي بشفافية، حتى تتضح الصورة للجميع، وتُرفع حالة الترقب التي تخيم على الوسط المريخي.
فالانتقال من لجنة تسيير إلى مجلس منتخب يجب أن يتم وفق جدول واضح وخطوات عملية محددة.
3. لجنة العضوية
مطالبة بالإجابة على الأسئلة العالقة قبل مباشرة عملها، خاصة فيما يتعلق بالتدقيق في السجلات ومعايير القيد وضمان الشفافية، بما يعزز ثقة القاعدة الجماهيرية في العملية الانتخابية المقبلة.
إن وضوح هذه اللجان الثلاث في مواقفها يمثل الركيزة الأساسية لبناء رؤية مؤسسية متماسكة تقود المريخ إلى مرحلة أكثر استقرارًا وتنظيمًا.
إعادة بناء المنظومة… الطريق إلى المستقبل
النادي اليوم أمام فرصة حقيقية لإعادة صياغة منظومته الداخلية على أسس علمية، عبر ثلاث ركائز جوهرية:
1. إصلاح الهيكل الإداري: بوضع نظام مؤسسي دائم يُنظم العمل الإداري ويمنع تضارب الصلاحيات.
2. التخطيط الفني المستدام: تبني رؤية كروية موحدة تمتد من الفريق الأول إلى الفئات السنية، برؤية شاملة وأسلوب لعب واضح.
3. الاستدامة المالية: إنشاء منظومة موارد تعتمد على الاستثمار والرعايات، بعيدًا عن الحلول الوقتية أو الدعم الفردي غير المستقر.
إن المريخ، بتاريخِه العريق وجماهيريته الواسعة، يمتلك كل مقومات التحول إلى نموذج مؤسسي ناجح إذا ما توفرت الإرادة والتخطيط.
وقبل الختام :-
إن ما يمر به المريخ من سكون وفسحة استراحة مقاتل؛ فترة يجب أن تُستثمر في البناء لا الانتظار.
فإما أن يكون هذا الهدوء بوابة لمرحلة نضج واستقرار،
أو يتحول إلى صمت يسبق عاصفة جديدة من الارتباك الإداري.
وأهلك العرب قالوا :-
إن من لم يُحسن إدارة الهدوء، عجز عن مواجهة العاصفة.
فلتكن هذه المرحلة هدوء الوعي لا خمول الإرادة،
ولنصنع من هذه السكينة جسرًا نعبر به إلى مستقبلٍ أكثر نضجًا وثباتًا…
مستقبل يليق باسم المريخ، وبتاريخه، وبجماهيره التي لا تعرف المستحيل
إن ارفع درجات القيادة البشرية هي معرفة مسايرة الظروف و خلق سكينة و هدوء داخليين على الرغم من العواصف الخارجية
والله المستعان
