كاس تفضح المستور.. النهاية في الأفق والعدالة تمسك بالخيوط

أبو بكر الطيب
جلسة عاصفة، تكشف خيوط الحقيقة في أروقة محكمة التحكيم الرياضية الدولية “كاس”، حيث مثُل اتحاد الدويم المحلي لكرة القدم في مواجهة الاتحاد السوداني العام، في واحدةٍ من القضايا التي ستُعيد رسم خريطة العدالة الرياضية في السودان.
القضية التي افتُتحت جلساتها بحضور رئيس اتحاد الدويم المهندس يوسف أبو حميد ونائبه مأمون بشارة، ومرافعة الخبير القانوني الدكتور مدثر خيري، كشفت عن حجم الضعف القانوني الذي يعيشه الاتحاد السوداني، بعدما حضر عنه محامون مصريون في غيابٍ كامل لأيّ مسؤول من داخل الاتحاد العام، في مشهدٍ يُلخّص حال مؤسسةٍ تُواجه مصيرها بلا دفاعٍ ولا كرامةٍ ولا حضور.
إن ظهور حاتم محمد فضل المولى كان المفاجأة الطريفة في بداية الجلسة؛ فالرجل لم يكن مستأنفًا، ولا مستأنفًا ضده، ولا حتى شاهدًا! ومع ذلك أطلّ وكأنه جاء ليشارك في أحد برامج “التوك شو”. لكن القاضي — بفضل اعتراض د. مدثر خيري — وضع الأمور في نصابها الصحيح، وأمره بالمغادرة فورًا، فاختفى كما ظهر… في صمتٍ يُشبه صمت الاتحاد نفسه.
وحتى تكتمل فصول المفارقة، غاب عن المشهد كل من يُفترض أن يكونوا “أبطال الدفاع” عن الاتحاد العام.
فنسأل — ونسأل بحرقةٍ في آنٍ واحد:
أين رئيس لجنة المسابقات وصاحب الصوت العالي دائمًا وقت التصريحات الجوفاء الذي نصب نفسه رئيس هيئة الدفاع عن الاتحاد العام الأستاذ محمد سليمان حلفا؟
وأين رئيس اللجنة القانونية الذي طالما تحدث عن اللوائح والنظام الأساسي، وقد أصدر كثيرًا من القرارات الخاطئة (أسدٌ عليّ وفي الحروب نعامة) الأستاذ متوكل الزنجي؟
وأين الأمين العام للاتحاد، الأستاذ مجدي شمس الدين، الذي يُفترض أنه حارس الملفات والوثائق؟
خبرة ربع قرنٍ في رمشة عينٍ ضاعت يا مجدي!
هل تاهت اللجان عن طريق المحكمة؟ يكون ساعي البريد نايم عمل؟
أم أن السفر إلى سويسرا يحتاج إذنًا من لجنة الطوارئ؟ أو موافقة أمنية؟
أم أن الاتحاد صار يتعامل مع “كاس” وكأنها مباراة في كأس السودان يمكن الاعتذار عنها لعدم الجاهزية؟
يا للعجب… اتحادٌ يُعجزه الدفاع عن نفسه، ويُفوّض محامين أجانب دون أن يملكهم حيثيات القضية، ثم يتوارى قادته خلف ستار الغياب، وكأن القضية لا تخصه ولا تعنيه!
هذه البداية المخجلة الضعيفة أكدت أن الاتحاد العام يعيش مأزقًا حقيقيًا، في جميع سلسلة القضايا المرفوعة ضده من اتحادات وأندية ود نوباوي، وتوتي، والزومة، وحي العرب، والجنينة. والعرض مستمر.
كل هذه الملفات تفتحها “كاس” تباعًا، لتعيد للعدالة هيبتها، ولتضع كل من عبث بالنظام في موضعه المستحق.
لقد كان الاتحاد العام يراهن منذ البداية على أن الأندية والاتحادات لن تستطيع ماليًا خوض معركة التقاضي الدولية، فظن أن العجز المالي سيكفيه مؤونة المواجهة.
لكنه فوجئ بأن تلك الجهات دفعت المليارات من حرّ مالها في سبيل الكرامة والحق، لتُثبت أن العدالة أغلى من الذهب، وأن الشرف الرياضي لا يُقاس بالدولار.
إن المشهد الحالي لا يترك مجالًا للشك:
الاتحاد العام يقف الآن عاريًا أمام القانون، بعد أن وضع نفسه — بإهماله وتجاهله — بين سندان العدالة ومطرقة المظاليم.
وها هي محكمة “كاس” تُمهله عشرة أيام فقط، كمهلةٍ أخيرة لتقديم دفوعه ومستنداته، قبل أن تُصدر حكمها الذي قد يكون قاصمة الظهر.
وما لم يُدرك الاتحاد حجم المأزق الذي أوقع نفسه فيه، فسيكون القرار القادم أشبه بالحكم بالإعدام الإداري، وما بعده سوى صفحات من الندم، وينتهي العزاء بانتهاء مراسم الدفن.
وقبل الختام
تبقى الحقيقة المؤلمة أن الاتحاد اليوم يقف بلا حيلة أمام الطوفان القادم من “كاس”.
لقد بدا كمن يحمل مظلةً في وجه إعصار: شكليًا موجود، لكنه لا يقي ولا يحمي.
وبدل أن يواجهوا المحاكم بالأوراق والوثائق، راحوا يرسلون محامين أجانب وكأن القضية “ديكور قانوني” لا يحتاج إلى موقفٍ ولا رجولةٍ.
فقلنا لهم:
الخبر اليوم بفلوس، ولكن بكرة ببلاش — ويا شماتة أبله ظاظة كما يقول أشقاؤنا المحامون المصريون!
وأهلك العرب قالوا:
التور كان وقع كترت سكاكينه وكترت البتابت عيب
ويا يوم بكره ما تسرع تخفف ليّ نار وجدي
فليعلم الجميع أن النهاية المحزنة قد لاحت في الأفق، وأن الزمن لا يرحم من أضاع فرص الإصلاح، ولا من غرّه طول البقاء في الكرسي.
والله المستعان.
