العضوية والقانون

أبو بكر الطيب
الظروف الاستثنائية:
نافذة بورتسودان نموذجًا
للجمود الرياضي الذي يعيشه الوسط المريخي منذ اندلاع الحرب وتوقف النشاط الرياضي في العاصمة، فقد اتجهت لجنة العضوية بنادي المريخ إلى فتح نافذة بورتسودان كخطوة جديدة لتمكين الجماهير من تجديد العضوية والانضمام لصفوف الكيان، خطوة جاءت في ظاهرها محفزة ومبشرة، لكنها تطرح في باطنها أسئلة قانونية وتنظيمية مهمة لا يمكن تجاوزها.
فتح باب العضوية في مدينة بورتسودان دون غيرها من مدن السودان، لا بد أن يُفهم في إطار دراسة علمية واضحة أو تجربة محددة الأهداف.
فهل أرادت اللجنة أن تختبر نجاح التجربة ميدانيًا؟
أم أن القرار جاء ارتجاليًا في ظل ضغوط الواقع الراهن؟
الإجابة هنا لا يمكن أن تكون مقنعة ما لم تستند إلى سند قانوني صريح من النظام الأساسي للنادي، يجيز إنشاء نوافذ مؤقتة خارج المقر الرئيسي. فإن لم يكن هناك نص أو تفويض واضح، فإن لجنة العضوية تكون قد تجاوزت حدود صلاحياتها، مهما كانت النوايا حسنة والمقاصد نبيلة.
إن ما يثير التساؤل أكثر هو مدى استمرارية هذه النافذة:
هل ستظل مشرعة على الدوام أم أنها لفترة مؤقتة تُقفل بانتهاء المدة؟
وما مصير الملفات والعضويات التي ستُقبل عبرها بعد عودة النشاط إلى أم درمان؟
كلها أسئلة تفرض على لجنة العضوية أن تُعلن بوضوح الجدول الزمني، والإجراءات اللاحقة، حتى لا تفتح الباب لتنازع قانوني مستقبلاً حول شرعية العضوية المكتسبة بهذه الطريقة.بزريعة من ترك أمرا من امور الشرع أحوجه الله اليه…
ولعل ما يُحسب للجنة في المقابل هو تنظيمها لفئات العضوية وتدرجها المرحلي من العضوية العادية إلى الفخرية، وإتاحة الفرصة للمراحل السنية الصغيرة للمشاركة في الانتماء للنادي، وهو توجه سليم من حيث الفكرة والمبدأ.
لكن الخلل يكمن في تقدير الرسوم المالية، التي وصلت إلى مبالغ كبيرة لا تتناسب مع الواقع المعيشي الحالي، خاصة في ظل الحرب وتبعات النزوح والانقطاع الاقتصادي الذي طال الجميع داخل الوطن وخارجه.
إن من المؤلم أن نرى رسوماً بالملايين تُفرض على عضوية نادٍ يعاني أعضاؤه من ويلات الحرب والاغتراب في آن واحد. فالمغترب الذي كان يمد الوطن والعائلة بالعون صار هو الآخر في ضائقة، فكيف يُطلب منه اليوم أن يسدد رسوماً تعجز عنها شريحة واسعة من الجماهير؟
العدالة هنا تقتضي أن تُراجع اللجنة الرسوم وفق مبدأ العدالة الاجتماعية، وأن تضع اعتباراً لظروف البلاد الحالية، فلا يُكافأ الانتماء الصادق بعقبات مالية تعجز عن تجاوزها الغالبية.
نحن لا نعارض مبدأ التنظيم ولا ننتقد سعي اللجنة لإحياء النشاط الإداري، ولكننا ندعوها إلى التحلي بروح القانون لا نصه الجامد، وإلى إعمال المصلحة العامة فوق القيود الشكلية، لأن روح القانون هي التي تحفظ الكيان لا مجرد حروفه.
كل ما يهمنا أن يُدار ملف العضوية في نادي المريخ بعقلية مؤسسية تراعي الواقع الوطني والسياسي والاجتماعي، لا أن يُترك للظروف أو الاجتهادات الفردية.
فالمريخ يمثل وجدان الـشعب وذاكرة الوطن، لذلك يستحق أن تُدار شؤونه بما يليق بعراقته وتاريخه الممتد.
وأهلك العرب قالوا:
من لم ينظر في العواقب، فما عرف من أين يُؤتى.”
فالنظر البعيد هو أساس الحكمة، وحسن التدبير هو طريق النجاة، وما أضاع الكيانات الكبرى إلا غياب الرؤية وضيق الأفق
لابدَّ من خيالٍ واسعٍ في عالمِ ضيق
والله المستعان
