من حلفا للبحر الاتحاد في خطر

أبو بكر الطيب
لم يجف بعد حبر الأمس ونحن نحاور لجنة المسابقات برئاسة محمد حلفا، حتى أطلت علينا اليوم لجنة الانضباط بقيادة مهدي البحر، لتؤكد أن اتحاد الكرة العام ماضٍ في طريقٍ واحد لا ثاني له: طريق الإخلال بالقوانين والعبث المؤسسي.
فما بين حلفا والبحر تتقاذفنا رياح اللجان التي لا تعرف من القانون غير اسمه، ولا من العدالة غير شعارها. ويُذبح القانون بأيدي القانونيين.
أصدر البحر قرارًا بإيقاف رئيس اتحاد الفاشر قبل قيام جمعيته العمومية بأيام، في خطوةٍ يظنها البعض “ذكية” لتأجيل الانتخابات، لكنها في حقيقتها خطوة غبية ومكشوفة لا تحتاج لكبير عناء لتُقرأ مقاصدها وتُعرف نواياها.
الخطاب الذي وُجه إلى الأستاذ مدثر سبيل لم يذكر جهة الشكوى، ولا تاريخها، ولا موضوعها، ولا حتى المادة التي استند إليها القرار.
فهل هذا قانون؟ أم أنها محاولة “نظيفة الشكل… قذرة النية”؟
مهدي البحر، المحامي الذي يُفترض به أن يُقدّس أمانة الكلمة، اختار أن يكون أداةً في يد الاتحاد العام، يُمرّر بها رغبات الإدارة لا نصوص النظام الأساسي. وهذه ليست المرّة الأولى.
إننا أمام مشهدٍ يختزل أزمة الاتحاد السوداني في أصدق صورها: لجانٌ عدلية تتصرّف بوصايةٍ وإملاءات، ومجلسٌ يتعامل مع القانون كأنه مجرد “ديكور شرعي” لتغطية قراراته المريبة.
وحين تتحد المسابقات والانضباط في العبث، لا عجب أن يغرق الاتحاد كله في ترعة في حلفا أو دوامة في البحر.
السؤال البديهي الآن:
إذا كانت لجنة البحر ترى نفسها وصية على الجمعيات العمومية، فمن يُحاسبها هي؟
ومن يمنعها من أن تستدعي غدًا أي رئيس اتحاد لمجرد أن الجمعية لا توافق مزاج مجلس الإدارة؟
وهل سيظل القانون أداةً للانتقام بدلًا من أن يكون وسيلةً للإصلاح؟
يا مولانا مهدي، الذي جاءنا، القانون لا يُدار بالمحاباة ولا بالإملاء، واللجان العدلية ليست مكاتب للعلاقات العامة.
ومن المعيب أن نراك تُحرّك القلم بأوامر من الهاتف، بينما تتغاضى عن عشرات القضايا التي تئن في الأدراج، قضايا اكتملت أركانها وأدلتها لكنها لا تُفتح لأن المتهم “ناقدٌ من فوق”!
لقد أفسد الاتحاد العام مفهوم العدالة الرياضية حين جعلها موسمية وانتقائية، لا تُستخدم إلا حين تخدم مصلحة المجلس.
وهذا وحده كفيل بأن يُسقط شرعية أي عملٍ قادم، لأن الشرعية لا تُمنح بقرارٍ إداري، بل تُكتسب بالثقة والعدالة والشفافية.
يا اتحاد الخيش، ذكاؤكم المصنوع بالترهيب لن يُنقذكم من الغرق.
لقد بدأتم الخطأ من المنبع حلفا، وواصلتم السقوط مع المصب البحر، وكل ما بينهما سوى تيارٍ من الفشل المتصل، لا يمكن النجاة منه إلا بإصلاحٍ جذري يرد الاعتبار للمؤسسية والقانون.
وأهلك العرب قالوا:
رُبَّ حيلةٍ كانت على صاحبها وبِيلة.
ومن الواضح أنكم حفرتم حفرتكم بأيديكم، من حلفا إلى البحر، حتى لم يعد أمامكم إلا أن تغرقوا في التيار الذي صنعتموه بأيديكم…
فالرياح اليوم لا تهب في صالحكم، والاتحاد كله بلا مواربةٍ في خطر.
إن عواقب الأفعال السيئة والمكائد لا تُحيط إلا بمن دبّرها.
والله المستعان.
