تحقيقات

توسُّع العضوية والاختطاف

عدد الزيارات: 81

أبو بكر الطيب

العضوية هي الجذر الأول لكل بناءٍ ديمقراطي داخل الأندية، فهي من تُفرز القادة وتمنح الشرعية وتؤسس للحوكمة الرشيدة. غير أن هذا الجذر نفسه قد يتحول إلى مدخلٍ للأزمات إذا أُسيء التعامل معه، أو غابت عنه الضوابط والمعايير التي تضمن التوازن بين الكمّ والنوع، والحقّ والواجب.
لقد ظلّ الشارع المريخي، في الأيام الماضية، يتابع بانشغالٍ كبير فتح باب العضوية في النادي العريق، وما تبع ذلك من أرقامٍ قياسية تجاوزت كل التوقعات. فخلال فترة وجيزة، قفز عدد الأعضاء إلى ما يقارب سبعة آلاف عضوية، أغلبها من نافذة واحدة، هي نافذة بورتسودان، مما جعلنا نتوقف طويلاً أمام هذا المؤشر اللافت، لا بدافع الريبة أو التقسيم الجغرافي،ولكن بدافع الحرص على العدالة وضمان توازن الكيان.
إن الخطأ الأكبر الذي وقعت فيه لجنة العضوية، وربما قبلها لجنة التسيير، هو استعجال القرار دون دراسةٍ شاملة للمآلات. فالتوسّع في العضوية مطلب مشروع ما دام مضبوطاً بضوابطه، لكنّ الاستعجال في التنفيذ وفتح النوافذ دون خطة واضحة أو رقابة دقيقة، جعل العملية أشبه بسباقٍ نحو العدد لا نحو العدالة.
ويبدو أن الدافع الأول لهذا الاستعجال كان مادياً في المقام الأول، بغرض الاستفادة من رسوم العضوية ودعم خزينة النادي، وهو أمرٌ مفهوم في ظاهره، لكنه خطير في نتائجه إن لم يُرافقه وعي قانوني وإداري يحفظ التوازن بين الفروع والمركز، ويمنع أي كفّة من أن تطغى على الأخرى.
ولعلّ المعضلة القانونية الأبرز تكمن في غياب المعايير الصارمة لقبول العضوية أو تجديدها، إذ تُتداول الآن معلومات عن تجديداتٍ بأثرٍ رجعي، وعن قبولٍ جماعي دون تدقيقٍ في الشروط المنصوص عليها بالنظام الأساسي للنادي. وهذه الممارسات، إن صحت، فإنها لا تهدد نزاهة الانتخابات فحسب، وإنما تهزّ الثقة في المنظومة كلها، وتفتح الباب واسعاً أمام اتهاماتٍ بالتحيّز أو التوظيف السياسي والرياضي للعضوية.
لقد علّمنا التاريخ الرياضي أن اختلال التوازن في العضوية كان دوماً الشرارة الأولى للانقسامات والصراعات.
منذ أن عرف المريخ الجمعيات العمومية، لم تكن مشكلته في ضعف العدد، وإنما في سوء التوزيع وغياب الشفافية.
وعندما تتحول العضوية من أداة مشاركة إلى وسيلة سيطرة، يصبح الكيان في مهبّ الريح، إذ تنتقل ولاءات الناس من الفكرة إلى الأشخاص، ومن المبادئ إلى المصالح.
وما نراه اليوم من تكدسٍ عددي في نافذةٍ واحدة قد يقود مستقبلاً إلى قراراتٍ مصيرية يختلّ فيها ميزان العدالة، فالتصويت ليس أرقاماً تعد ولكنه إراداتٍ تُعبّر عن وجدان المريخ بكل أطرافه.
وإن لم تتدارك اللجنة الأمر بتصحيح المسار وإعادة النظر في توزيع العضوية وضبطها قانونياً، فقد نصحو غداً على واقعٍ جديد يصبح فيه المريخ دون قصد نادي بورتسودان لا نادي أم درمان!
لذلك فإننا نكتب هذا المقال لا لنهاجم ولكن لننبه، لا لنتوجس وإنما لنحذر بحكمة.
فالوقاية في مثل هذه القضايا أهون من العلاج، والتنبيه المبكر أجدى من التبرير المتأخر.
إن لجنة العضوية مطالبة اليوم أن تتعامل مع الملف باعتباره أمانة لا إجراءً إدارياً، وأن تفتح سجلاتها للرقابة، وتعلن بالأرقام لا بالتصريحات، حتى يطمئن الجميع أن المريخ يسير على درب الشفافية لا الغموض.
ولعلّ في قصة زرقاء اليمامة التي رأت الخطر من بعيد ولم يُصدقها قومها، حكمةٌ لا تموت…
فقد كانت تبصر ما لا يُبصره الناس، حتى جاءهم البلاء من حيث لم يشعروا.
فلْتكن لجنة العضوية زرقاء المريخ هذه المرة، تُبصر الخطر قبل أن يُبصرها هو، وتستعد قبل أن تُفاجأ.
فما زال في الوقت متّسع، وما زال في الأفق أملٌ إن صدقت النوايا وتقدّم العقل على العاطفة
والله المستعان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
XFacebookYoutubeInstagram
error: محمي ..