صوت إبتلعه الغياب

أبو بكر الطيب
صوتٌ صدر من الجبل…
ثم هوى في وادي الصمت
قد تداخلت الأصوات وتباينت المواقف، فخرج علينا من سفوح جبل أولياء صوتٌ جهيرٌ حمل بين نبراته وعدًا بالحق والعدل والانتصار للمظلومين.
صوتٌ دوّى كالرعد في فضاء الكرة السودانية ومن داخل الاتحاد العام للكرة السودانية وهو يهتف: “يا سارية الجبل… يا سارية الجبل!” فحسبناه نذيرَ يقظةٍ بعد طول سبات، وبداية عهدٍ تُستعاد فيه الهيبة وتُحترم فيه القوانين.
ولكن… ما أسرع ما خفت الصوت، وما أسرع ما تلاشى الصدى!
ولم يكد يصل النداء إلى سفوح الخرطوم حتى سكنَ الجبل، وعاد الصمتُ إلى واديه، وكأن شيئًا لم يكن.
هيمنة تُخرسُ الأصوات
في الاتحاد العام السوداني لكرة القدم، لا تُدار الأمور بالمؤسسية ولا باللوائح، ولكن بقبضةٍ ثنائيةٍ تُمسك بمفاصل القرار وتفرض هيمنتها على المجلس بأكمله.
رئيسٌ ونائبٌ باتا يتقاسمان السلطة والنفوذ، فيما اكتفى بقية الأعضاء بدور المتفرّجين في مشهدٍ عبثيٍّ عنوانه “الولاء أولًا… والرأي آخرًا”.
حتى اللجنتين اللتين تُكثران من الجعجعة — اللجنة القانونية برئاسة الزنجي، ولجنة المسابقات برئاسة حلفا — لم نرَ لهما أثرًا يُذكر سوى بياناتٍ تُثير الجدل وتعمّق الأزمة.
اختياراتٌ تمت على قاعدة الترضيات لا الكفاءات، فجاء الأداء باهتًا، والقرارات مرتجلة، والاتحاد غارقًا في فوضى لا تنتهي.
صمتُ الجبل… دروسٌ في الخضوع
حين صدح اتحاد جبل أولياء، ظنّ كثيرون أن مرحلة جديدة من المواجهة الشجاعة قد بدأت، وأن صوت الحق لن يُخرس بعد اليوم.
لكن يبدو أن الهيمنة كانت أبلغ من الشعارات، فاختفى الصوت، وتبخّرت الوعود، وساد صمتٌ مريبٌ لا يليق بمَن هَدّد وتوعّد وأزبد.
وهنا يحق لنا أن نسأل: هل كان الصوتُ مجرّد فورة حماسٍ لم تصمد أمام نفوذ المركز؟
أم أن رسالة الصمت كانت ثمناً لتفاهماتٍ خفيةٍ أجهضت الموقف قبل أن يولد؟
في كلتا الحالتين، يبقى الدرس واضحًا: من لا يملك الجرأة على المضي في طريق العدل حتى النهاية، فليترك الميدان لمن يملكه بالعقل والقانون والجرأة معًا.
أندية الخرطوم… أمل الإصلاح الحقيقي
إن ما لم تستطع أن تُحققه هجمة جبل أولياء الكاذبة، يمكن أن تُحققه أندية الخرطوم ود نوباوي، وتوتي، والزومة — بإذن الواحد الاحد ما دام اجتمعوا على كلمة سواء.
فهذه الأندية تمتلك الشرعية، والوعي، والقانون، وهي القادرة على أن تُعيد التوازن المفقود في مشهدٍ يعج بالانفراد والاستبداد.
فليستعد الاتحاد العام لما ستكشفه مقبل الأيام، خصوصًا في أروقة محكمة كاس التي بدأت جلساتها بالفعل، وقد تحمل في طيّاتها حسابًا عسيرًا لمن ظن أن المؤسسات تُدار بالعلاقات لا بالأنظمة.
وقبل الختام :-
أهلك العرب قالوا :-
سأمضي إذا قالوا مضيتُ وإن نأوا
وقفتُ، فإن الحقَّ لا يتزعزعُ
ومن كان في درب الحقيقة واثقًا
فلا خَوفَ إن هبّت عليه الأنواءُ
وإنْ ضاقَ صدرُ الدهر عن خطويَ المُضِيّ
فإني على نهجِ الكرامِ أُشقُّ الضياءٓ
والله المستعان
