وسط الرياح

إخلال الكفاءة

عدد الزيارات: 288
474

أبو بكر الطيب

عندما تُختزل الرياضة في الولاء لا الكفاءة، كل منظومة رياضية ناجحة تبدأ المعادلة فيها من وضع الرجل المناسب في المكان المناسب.

أما في واقعنا الرياضي، فالمعادلة معكوسة تمامًا، تُدار مؤسساتنا غالبًا بالعواطف والولاءات لا بالمعايير والمؤهلات، فيصبح المنصب غنيمةً يتقاسمها الطامحون لا مسؤوليةً يتصدى لها المؤهلون.

هذه المعضلة لم تعد حديثًا نقديًّا، فقد تحولت إلى ظاهرة مدمّرة تُنتج قرارات مضطربة، واتحادات مرتبكة، ومشهدًا عامًّا يسوده الارتجال الإداري والجهل القانوني.

من الأندية إلى الاتحادات: انتقال بلا تأهيل
ليس كل من أدار ناديًا أصبح صالحًا لإدارة اتحادٍ أو لجنةٍ تطبيعية، فإدارة النادي، مهما بلغ حجمها، تظل تجربة محدودة الأفق تعتمد على العلاقات والمبادرات المحلية، بينما الاتحاد هو مؤسسة سيادية مصغّرة تحتاج فهمًا للقانون والنظام الأساسي واللوائح الدولية، إلى جانب الدراية بأساليب الحوكمة الحديثة.

لكن ما نراه اليوم هو انتقال “الإداريين التقليديين” إلى مقاعد اتحادية عليا دون أي تدريب أو تأهيل قانوني أو تنظيمي، فكانت النتيجة كما نرى في اتحاد الخرطوم: عبث تنظيمي، فوضى في الإجراءات، وتداخل في الصلاحيات حتى ضاعت هيبة المؤسسة.

وليس أدلّ على ذلك من تجربة لجنة التطبيع التي أُسندت إلى إداريين من أنديتهم، فبدل أن يُعيدوا التوازن للمشهد، قادوه إلى مزيد من الارتباك، وأوردوا الاتحاد موارد الانقسام والتشاكس.

المقارنة الكاشفة: اتحاد الفاشر نموذجًا
عندما ننظر إلى بعض التجارب الأخرى مثل اتحاد الفاشر، نلحظ ذات الأعراض وإن اختلفت التفاصيل:
• قرارات تُتخذ بلا مرجعية قانونية واضحة.
• تجاوزات إجرائية تُبرر بالعُرف والعلاقات.
• لجان تُشكّل ثم تُمارس عملها دون اكتمال النصاب أو المصادقة النظامية.
وهو ما يُفقد الثقة في المنظومة ويفتح الباب أمام الطعون والتظلمات.

اللجنة القانونية… قبل اكتمالها!
ومن أغرب ما يجري في الاتحاد السوداني اليوم أن تُمارس ما تُسمّى بـ “اللجنة القانونية” صلاحياتها قبل اكتمال عضويتها!
كيف يمكن للجنة لم تُعتمد بعد أن تتولى مهام التحقيق والإفتاء وإصدار الرأي القانوني؟
وأين لجنة الانضباط التي يُفترض بها، بموجب النظام الأساسي، أن تُمارس سلطتها فورًا وتنظر في الشكوى المقدّمة ضد رئيس هذه اللجنة، تحقيقًا لمبدأ العدالة الإجرائية ووقفًا لتغوّل الصلاحيات؟
إنّ التغاضي عن مثل هذه الوقائع هو إسقاطٌ مباشر لمفهوم الحوكمة الرياضية التي تقوم على وضوح الصلاحيات، واستقلال اللجان، وتكامل الهياكل.

إنّ الخلل في رياضتنا ليس في غياب اللوائح، ولكن في غياب من يفهمها ويحترمها.
فحين نضع شخصًا في منصب لا يملك أدواته، فإننا لا نظلمه وحده، ولكننا نظلم المؤسسة التي أوكلناها إليه، ونظلم القانون الذي أقسمنا أن نحترمه.
الإصلاح الحقيقي يبدأ من تأهيل القيادات قبل تنصيبها، لا بعد فشلها، ومن بناء ثقافة تعتبر المنصب تكليفًا لا تشريفًا.

وقبل الختام:

الحكم والعِبَر
وأهلك العرب قالوا:
“الرجل يُعرف بقدر ما يُحسن عمله، لا بقدر ما يُحسن الظهور فيه.”
وقالوا أيضًا:
“من ولّى غيرَ الأكفأ فقد خان الأمانة، وإن كان أقرب الناس إليه.”
وقالوا ثالثةً، حكمةً تصلح لكل زمانٍ وميدان:
“إذا ضاع التقدير ضاع التقدّم، وإذا تولّى الجاهل ضاع الحكم.”

والله المستعان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
XFacebookYoutubeInstagram
error: محمي ..