وسط الرياح

معاداة الاتحاد لمكوناته… ظاهرة أم سياسة أم بدعة؟

عدد الزيارات: 28

أبوبكر الطيب

قد تحوّل الاتحاد من قائدٍ إلى قاضٍ وخصمٍ وعدو.
لم يعد الاتحاد العام السوداني لكرة القدم كيانًا جامعًا أو مظلةً حاميةً لمكوناته، وأقل ما يمكن قوله إنه صار خصمًا عليها في كثير من المواقف. فبدلًا من أن يكون مرجعًا للعدالة الرياضية، أصبح طرفًا في الخصومة، يمارس سلطاته بروح الانتقام لا بروح الإصلاح، وكأن معاداة مكوّناته صارت سياسةً لا تُخفى، أو بدعةً يتوارثها الإداريون جيلاً بعد جيل.

لقد بدت الممارسات الأخيرة للاتحاد أشبه بمنهجٍ مقصود يقوم على الهيمنة والتخويف والترهيب والإخضاع.
يعاقب من يخالفه الرأي، ويكافئ من يسبّح بحمده، في مشهدٍ يعيد إلى الأذهان مقولة نابليون الشهيرة:

“إذا لم تكن معي، فأنت ضدي، ولا بد أن تُعاقَب.”

إنه اتحاد لا يكتفي بإقصاء المختلفين معه، بل يتجاوز ذلك إلى فرض العقوبات ولو أدى الأمر إلى مخالفة القوانين واللوائح نفسها، فهو لا يبالي.

وها نحن نرى ثمرة هذا النهج الظالم وقد أينعت وحان قطافها، فملفات القضايا تتكدس على طاولة الفيفا، واتحاداتٌ وأنديةٌ كانت تُتهم بالكيدية أثبتت محكمة كاس (CAS) صدق دعاواها وألزمت الاتحاد بالسداد، ليكتشف الجميع أن ما وُصف يومًا بالادعاءات لم يكن سوى حقائق أُريد لها أن تُخفى.

لقد صار الاتحاد العام يتجرّع من ذات الكأس التي سقاها لمكوناته — عداءً، وظلمًا، واستعلاءً، واستبدادًا.
إن ما يُعتبر أزمة مالية أو إدارية تلوح في الأفق إنما هو انكشاف أخلاقي وقانوني لمرحلةٍ طال فيها الصمت وتكاثر فيها الباطل حتى صار عادة.

فالقرارات التي تصدر بلا سندٍ قانوني، ثم تُلغى وتُلزمنا الفيفا بدفع غراماتها، ليست مجرد أخطاء، بل هي عبثٌ بمصير الرياضة السودانية وسمعتها أمام العالم.

لقد بلغ الاتحاد العام مرحلة اللاعودة، إذ غرق في أخطائه حتى صار التراجع عنها مكلفًا أكثر من المضي فيها.
ومع ذلك، لا بدّ أن نذكّره بأن باب الإصلاح لم يُغلق بعد — فإن لم يُبادر هو بإصلاح نفسه اليوم طوعًا، فسيُرغَم على ذلك غدًا قسرًا، بعدما فُتحت ملفات مخالفاته أمام الفيفا، وتجمّعت الإفادات، وأُغلق باب الحوار، وأصبحت الأندية والمحاكم الدولية تنتظر كلمة العدالة.

وليعلم قادة الاتحاد أن الزمن قد أدركهم، وأنهم يقفون الآن في موقفٍ لا يُحسدون عليه بعد أن مارسوا كل أنواع الاستبداد والغباء الإداري في التعامل مع أهم القضايا الرياضية.

وهنيئًا لهم — إن صحّ التعبير — حصد ما زرعوا، فقد زرعوا الشوك، فأنّى لهم أن يجنوا الورد؟

واهلك العرب قالوا:
من زرع الريح، حصد العاصفة.
وما طار طيرٌ وارتفع، إلا كما طار وقع.
وكان لملكٍ علامات، فلما علا مات.

والله المستعان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
XFacebookYoutubeInstagram
error: محمي ..