معسكر الناشئين.. إهمال في إهمال!

أبو بكر الطيب
الصورة أصدق أنباءً من التصريحات، ومن كل ما يُقال أو يُكتب.
مشاهد من داخل معسكر منتخب الناشئين تناقلتها الوسائط، كانت كفيلة بأن تهزّ الضمير الوطني وتكشف المستور خلف الشعارات البراقة.
لم يكن الحديث هذه المرة عن هزيمة كروية أو إخفاق فني، وإنما عن مأساة إنسانية وإدارية مكتملة الأركان:
إهمال في التغذية، وضعف في الرعاية، وسكن لا يليق بلاعبين يحملون شعار الوطن.
صورٌ خرجت من قلب المعسكر، وخطابٌ من أحد أولياء الأمور يشكو تقصير الاتحاد في أبسط واجباته، ثم قرارٌ مؤلم بسحب أحد الأبناء من المنتخب بسبب سوء الظروف.
كل ذلك حدث أمام أعين المسؤولين، وكأن الأمر لا يعنيهم في شيء!
المشهد كما هو..
الصور التي انتشرت لم تترك مجالًا للإنكار: غرف ضيقة، تجهيزات متهالكة، ووجبات لا تليق بمنتخب يمثل السودان.
وفي المقابل، ظهرت أصوات تدافع وتنكر، وتعتبر ما يُنشر “تهويلًا إعلاميًا”.
لكن الحقيقة لا تُغطّى بغربال: ما نراه ليس ضعف إمكانيات، وإنما ضعف إرادة، وغياب ضمير إداري مسؤول.
فالإمكانات قد تُستجلب، لكن غياب الإرادة لا يُشترى ولا يُعوّض.
إن المنتخبات الوطنية ليست مسؤولية متطوعين أو أصحاب النوايا الحسنة، فهي مسؤولية مؤسسة كاملة تُدار بميزانية وموارد وقرارات واضحة.
وحين ينهار هذا المفهوم، يسقط كل شيء: السمعة، الثقة، وحتى الأمل في الأجيال القادمة.
أين الاتحاد؟ وأين مسؤول المنتخبات؟
السؤال الصارخ اليوم:
أين هو مسؤول المنتخبات الوطنية في الاتحاد السوداني لكرة القدم؟
أين دوره في المتابعة والتقييم؟
هل مهمته تقتصر على الصور التذكارية والبيانات الورقية؟
إن ما حدث في معسكر الناشئين يُعدّ فضيحة إدارية بكل المقاييس، لأن من صميم مهام الاتحاد أن يضمن بيئة آمنة وصحية لهؤلاء اللاعبين الصغار.
ومتى ما غابت هذه البيئة، فلا يمكن تبرير التقصير بعبارة “ضعف الإمكانيات”، لأن المسؤولية الأخلاقية والإدارية لا تسقط تحت أي ظرف.
لقد شوّه هذا الإهمال صورة الاتحاد أمام الرأي العام، وألحق بالكرة السودانية سمعةً سيئة هي في غنى عنها.
وإذا كانت أزمة الأكل والشرب والنوم يمكن معالجتها بتدخل سريع، فإن الخطر الحقيقي يكمن في ما هو أعمق:
في الفوضى، وغياب الرقابة، وترك أبواب المعسكر مشرعةً لكل عابر سبيل.
إننا نحذر ونشدد على ضرورة الحفاظ على سلامة الناشئين وعدم السماح لأي جهة خارجية بالاقتراب منهم أو التأثير عليهم.
فالإهمال الإداري ليس مجرد خلل تنظيمي، ولكنه باب مفتوح للاختراقات الأخلاقية والسلوكية والأمنية.
وما لم يتحرك الاتحاد سريعًا، فإن ما نخشى حدوثه اليوم قد يصبح كارثة غدًا.
الناشئون.. مستقبل الوطن
هؤلاء الصغار ليسوا مجرد لاعبين يؤدّون تمارينهم اليومية، ولكنهم هم مستقبل الكرة السودانية.
رعايتهم مسؤولية وطنية قبل أن تكون رياضية، ومن يستهين بهم يستهين بمستقبل وطن كامل.
لا نطلب معجزات، فقط أبسط مقومات الكرامة الإنسانية لمن يرتدون شعار السودان.
فإن لم يستطع الاتحاد أن يؤمّن لهم بيئة تليق باسم الوطن، فليُراجع نفسه قبل أن يُحاسب غيره.
واهلك العرب قالوا:
“من رعى غرسًا صغيرًا أنبت له الظلَّ حين يكبر، ومن أهمله مات في أرضه عطشًا.”
ليست المسألة مسألة اجتهاد نقدي في توجيه اللوم وكشف الحال للمسؤولين فحسب، وإنما هي أمانة في أعناق الجميع.
تلك الأمانة التي قال الله عنها:
“إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان.”
فمن تهاون فيها ورضي بالتقصير، فقد ضيّع أمانة الوطن قبل أن يُهمل أبناءه.
والله المستعان
