هزيمة الرياضة من داخلها

أبو بكر الطيب
نحزن كثيراً حين نخسر مبارة في الملعب، ونلعن الحظ والحكم والظروف، واللاعبين لكننا لا نجرؤ على مواجهة الحقيقة:
أن الهزيمة عندنا لا تبدأ من صافرة الحكم، ولكن من لحظة التسيّب في القرار، والأنانية في الإدارة، والفوضى في التفكير.
نُهزم من الداخل قبل أن يُهزمنا أحد.من الخارج
إن الرياضة عندنا لا ينقصها الطموح، وإنما ينقصها “الضمير الإداري” و“العقل المؤسسي والتخطيط السليم
فقد أصبح الكرسي غايةً لا وسيلة، والمناصب تُدار بالعلاقات لا بالكفاءة، والانتخابات بالأموال لا بالقناعات والقرارات تُبنى على الهوى لا على الرؤية.
وهكذا وجدنا أنفسنا نعيش في حلقة مغلقة من الفشل الموروث، حيث تتبدّل الوجوه ولا تتبدّل الذهنيات.والوجوه
إنها الهزيمة الإدارية بعد ضياع البوصلة
في الاتحاد العام لكرة القدم، تتبدّل اللجان والوجوه، لكن الذهنية نفسها باقية:
قرارات تُدار خلف الكواليس، بيانات بلا روح، اجتماعات تنتهي كما بدأت، بلا أثر.
الملفات العالقة تظل سنوات، والشكاوى تتراكم، والعقوبات تلوّح بها الفيفا كما لو كانت مصيرًا لا مهرب منه.
أما اتحاد الخرطوم، فليس بأحسن حالًا، إذ غابت عنه الرؤية وصار ساحة نفوذٍ يتقاطع فيها الولاء الشخصي مع الحسابات الانتخابية.
اللوائح لا تُطبّق إلا على الضعفاء، والقرارات توزَّع بميزان الانتماء لا العدالة.
وإذا ما نظرنا إلى الأندية الكبرى، نرى المشهد أكثر وضوحًا:
ففي المريخ والهلال، يتبدّل الرؤساء كما تتبدّل المواسم، وكل إدارة تبدأ من الصفر كأن لا تاريخ قبلها.
ينشغل القادة بالصراعات الجانبية أكثر من البناء، ويغيب التخطيط طويل المدى لصالح صراع اللحظة.
العضوية تُدار ككتلة انتخابية لا كجسم حيوي للنادي، والمواهب تُهدر لأننا لا نملك منظومة تحفظها وتُنمّيها.
إنها هزيمة العقل لا النتيجة، وهزيمة الفكر لا الكرة.
الهزيمة الإعلامية عندما يتحوّل الصوت إلى سلعة
كان الإعلام يومًا ضمير الرياضة، فصار تاجرها.ومتجرها
صار القلم والمقال يُرفع لمن يدفع، لا لمن يقول الحقيقة.
غابت المهنية، واحتلت الساحة “الأجندة الممولة”، فصارت القنوات والصحف تُدار كمنصات نفوذ، لا كمنابر توجيه وإصلاح.
تُكتب المقالات لتصفية الحسابات، وتُحجب الحقائق حفاظًا على الإعلانات، وتُزيَّن الأكاذيب بشعارات “الحياد”.
هكذا خسرنا الإعلام الرسالي، وربحنا إعلامًا يبيع المعلومة بثمن الولاء.
وحين يسكت الإعلام عن الخطأ، يترعرع الفساد،ويكون التواطؤ ، وتموت الحقيقة.
تلك هي الهزيمة الأخلاقية عندما تغيب القيم
كانت الرياضة ميدانًا للتربية والانضباط، لكنها اليوم ساحة للخصومات والتراشق اللفظي.
صرنا نرى الإداري يُهاجم زميله على الهواء، والإعلامي يُشوّه دون تحقق، واللاعب يستهين بالشعار الذي يرتديه.
غابت القدوة، فاختلّت الموازين.
وباتت النتائج تُقاس بما يحققه الفريق من “صخب إعلامي” لا بما يزرعه من قيم.
لقد خسرنا المعنى قبل أن نخسر البطولة.
وقبل الختام :-
لن تنهض رياضتنا ما لم نُصلح الداخل.
لن تنفع الملاعب الحديثة إن بقيت العقول القديمة.
لن يُجدي المال إذا غاب الضمير.
فالهزيمة الحقيقية ليست في خسارة مباراة، وإنما في أن نخسر احترامنا لأنفسنا، وفي أن نعتاد الفوضى حتى نظنها النظام.
فلنعد إلى جوهر الرياضة كما أرادها الله — ميدانًا للتكامل لا للتناحر، ورسالة أخلاق قبل أن تكون منافسة على الألقاب.
حين ننتصر على ذواتنا، عندها فقط سنهزم خصومنا.
واهلك العرب قالوا:
ما غُلِب قوم على عدوّهم حتى غلبوا أنفسهم.
في ثقافتنا الرياضية نجد القوم منشغلين بشكل البرتقالة، ويختلفون على طريقة تقشيرها، وينسون طعمها، وطرق زراعتها.
والله المستعان
