العشب الأزرق

أبو بكر الطيب
عندما يصبح الوهم حقيقة..
في إحدى حكايات الغابة القديمة، وقف الحمار يصرخ بأن العشب أزرق، وظل يرددها بثقة الواثق من نفسه، لا لأنه رأى الحقيقة، ولكن لأنه أرادها هكذا… وحين رفض النمر الانصياع للوهم، ذهب الحمار إلى القاضي يشكو النمر، فعاقَب الأسدُ النمرَ لا لأنه مخطئ، ولكن لأنه انشغل بجدالٍ لا قيمة له مع من لا يرى، ولا يريد أن يرى.
هذه القصة ليست خيالًا يا سادة… إنها تتكرر كل يوم وكل لحظة في واقع رياضتنا.
الآن، نرى لجنة التطبيع تُصرّ — بكل ثقة الحمار في قصته — على أن العشب “أزرق”، مع أنها تعلم جيدًا أنها مُعينة من لجنة مساعدة للاتحاد العام، وأن النصاب لم يكتمل، وأن لا سند قانوني ولا تفويض يمنحها الحق في ممارسة سلطات لجان قانونية مكتملة الأركان.
ومع ذلك… مارست كل الصلاحيات، وتجاوزت حدود التفويض، وأصدرت أخطر القرارات… من تعيين لجان عدلية، إلى قرارات صعودٍ وهبوطٍ، إلى التدخل في شؤونٍ هي أبعد ما تكون عن اختصاص “لجنة مؤقتة”.
وتعدّى الأمر إلى مرحلة الإيحاء والاستجداء… فأصبحنا نرى إشاداتٍ مفبركة، وثناءاتٍ مصنوعة، ومشتولة، واحتفالاتٍ وبروتوكولاتٍ مزيفة تُقام مع كياناتٍ لا علاقة لها بالرياضة، كل ذلك لا لشيء سوى لصناعة “وهم الإنجاز”، حتى يصدقوا هم أولًا الكذبة التي أطلقوها، قبل أن يحاولوا بيعها للآخرين.
تمامًا كما قالوا:
يكذبون الكذبة… ثم يكونون أولَ من يصدقها.
والأغرب من ذلك: حالة الصمت التي تلف الساحة الرياضية، وكأن الجميع سلّم بأن العشب أزرق، وأن الحقيقة لا قيمة لها، وأن القانون يمكن الالتفاف عليه ما دام التصفيق حاضرًا.
لكن قانون الدنيا — كما نعلم — هو قانون الأمّارة بالسوء حين تتركك بلا رقيب، لكنها لا تعرف التطبيل طويلًا، ولا تُجامل أحدًا حين تتكشف الحقائق.
فالسؤال الذي يفرض نفسه الآن:
حين تدور الدوائر… وتنكشف كل ورقة،
وحين يعود العشب أخضرَ كما هو…
ماذا هم فاعلون؟
ومَن سيصمد حين يسقط ستار التزييف؟
ومَن سيبقى حين تذوب دهانات الوهم؟
ومَن سيواجه الجماهير حين تسأل عن المسؤوليات المؤجَّلة والقرارات الخاطئة؟
وأهلك العرب قالوا:
إنَّ الجَدَلَ مع الجاهلِ يُطفئ نورَ العقلِ، كما يُطفئ الدخانُ نورَ النار.
وما في الناسِ أجهلُ من غبيٍّ … يدومُ له إلى الدنيا ركونُ
فلو لَبِسَ الحِجارةَ صارَ صخرًا … وشكَّ بأنَّهُ نجمٌ مُبينٌ
والله المستعان
