فضيحة التغبيش بعد الخيش !!
أبو بكر الطيب
لقد اختلطت الحقائق بالدخان، وارتفعت الأصوات في أعلى مكان من الوقائع، فخرج علينا رئيس الاتحاد السوداني لكرة القدم — الدكتور معتصم جعفر — في مؤتمره الصحفي الأخير، لا ليشرح، ولا ليعالج، ولا ليضع النقاط على الحروف…
ولكن خرج الرجل ليغطي الشمس بغربال، وليقدم رواية يستحي منها الأطفال أمام خطابات الأندية الثلاثة التي هبطت بقرار هو الأوهن والأضعف من بيت العنكبوت.
حين قال الرجل بثقة غريبة إن الزومة وتوتي وودنوباوي “انسحبوا بعد دعمهم مالياً”، بدا كأنه يتحدث عن واقع غير الواقع، وبلد غير البلد، وحرب غير التي التهمت الخرطوم وأم درمان.
كان مشهداً يشبه عنوان المسرحية الشهيرة:
الشاهد… والضحية.
ولكن الشاهد أن الحقائق لا تموت… إنما تنتظر من ينفض عنها الغبار.
الزومة… نادٍ خرج من يده كل شيء
وليس هذا مجازًا وإنما واقعًا مسطرًا بالمآسي:
- مقره تحول إلى ثكنة لقوات الدعم السريع.
- سجلاته اختفت.
- كشوفاته ضاعت.
- بطاقات لاعبيه فُقدت.
- نصف لاعبيه انتهت عقودهم، وبعضهم حمل البندقية دفاعاً عن الوطن، وآخرون هاجروا، والبعض مفقود منذ الأيام الأولى للحرب.
- استثماراته دُمّرت.
- مجلس إدارته تفرّق شذر مذر.
فهل يُقال عن نادٍ يعيش هذا الوضع وهذا الخراب إنه… “انسحب”؟!
ودنوباوي… قلب أم درمان النابض الذي ضُرب حتى العظم - استاده التاريخي تحول إلى موقع عسكري.
- سجلاته وبطاقاته وأرشيفه ومستنداته… سُويت بالأرض.
- لاعبوه تشتتوا في المنافي.
- بعضهم انضم للقوات المسلحة، وبعضهم خرج بحثًا عن لقمة العيش.
- المحلات التجارية — عمود الاستثمار — اختفت مع دخان الحرب.
- مجلس الإدارة كله خارج السودان.
هل هذا انسحاب… أم كارثة وطنية رياضية أصابت مدينة أم درمان في قلبها فأحالتها إلى رماد
وتوتي… الطرف الصامت الذي لم يُسمع صوته ولكنه ليس غائباً كان حاضرا وغاضباً
توتي قدّم خطاب اعتذار واضحًا بسبب الحرب وضياع السجلات وانعدام مقومات النشاط…
لكن لم يتلقَّ ردًا…
لم يسمع صوتًا…
لم يرَ لجنة تحقيق…
إلا يوم إعلان الهبوط!
المصيبة ليست في التصريح… ولكن في ما أراد الاتحاد إخفاءه
الاتحاد لم يرد على خطابات الأندية.
لم يجلس معها.
لم يشكل لجنة قانونية للمحاسبة أو المساءلة
لم يقدم حيثيات أو مرافعات
تركها تواجه الحرب وحدها…
ثم عاد ليقول إنها “انسحبت”.
بعد ان استلمت الدعم
هذا خطأً كارثي في حق رئيس الاتحاد أنه مسؤول عنه
هذا تهرب متعمد عن الحقيقة.
وهنا تكمن الحجّة الواهية… الأهلي وكوبر !!!
يستند الاتحاد — في تبريره الساذج الفطير إلى حجة أن هناك أندية أخرى من الخرطوم شاركت في الدوري الممتاز، مثل الأهلي الخرطوم وكوبر.
لكن هذه حجة أسوأ من العدم، لأنها تُسقط أهم قاعدة في المنطق والقانون:
القياس لا يكون إلا بين متماثلين.
فالأندية الثلاثة (الزومة، ودنوباوي، توتي)
لم تتضرر فقط جزئياً…
بل تلقى كل منها ضربة وجودية كانت القاضية
• فقدت ملاعبها.
• فقدت سجلاتها.
• فقدت لاعبيها.
• فقدت مجلس إدارتها.
• فقدت مواردها
بينما الأهلي وكوبر لم يفقدا كيانهما، ولا سجلاتهما، ولا مجالس إدارتهما، ولم تتحول أنديتهما إلى مواقع عسكرية، ولم يختفِ لاعبوها في المنافي.
فالمقارنة هنا ليست قياسًا… وإنما مغالطة مكشوفة أشبه بقول رجل غرق بيته:
“لماذا لا تسبح مثل جارك؟!”
ومن الخرطوم إلى لوزان… بدأت الرواية الحقيقية
بعد تجاهل الاتحاد، لم تجد الأندية طريقًا إلا اللجوء إلى أعلى سلطة عدلية رياضية في العالم:
محكمة التحكيم الرياضية الدولية (CAS).
ودنوباوي سجل استئنافه رسميًا تحت الرقم:
CAS/2025/A/11605
المحكمة أمهلت الاتحاد 20 يومًا للرد.
ودعت — بسبب تشابه الوقائع — إلى احتمال ضم قضايا اتحاد الجنينة وغيرها في ملف واحد…
مما يعني أن موقف الاتحاد هشّ للغاية.
هل يجهل الاتحاد كل هذا؟
إن كان يجهل… فتلك مصيبة.
وإن كان يعلم… فالمصيبة أكبر.
وقبل الختام
رواية الاتحاد مجرد قشرة سطحية
وملف الأندية الثلاثة أكبر من كلمة “انسحاب” وأخطر من “دعم مالي” لم يُستلم أصلاً.
نحن أمام مشهد إداري مهتز، وجبان وقرار قانوني ضعيف، وصحافة تحاول — وسط الضجيج — أن تحفظ للناس حقهم في الحقيقة.
واليوم…
يقف وسط الرياح ليقول كلمة الحق، موثقة بالخطاب، ومسنودة بالواقع، وراسخة كجدار أم درمان نفسها. وأهلك العرب قالوا…
إذا اشتدَّتْ رياحُ الحقِّ هبَّتْ قَواصِفُها
وما بَقِيَ الزَّيْفُ إلّا رايةَ المُنْهَزِمِ
فالحقُّ يَعلُو وإن طالَ الزَّمانُ بهِ
ولا يُغالِبُهُ مَن في يَدَيهِ تَعَتَّمَ العَلَمِ
ويبقَى الصدقُ نورًا لا يُطفِئُهُ مُضلِّلٌ
وتَفنى دُموعُ الباطِلِ في سَيْلِ القَسَمِ
والله المستعان
