اللبيب يفهم…

أبو بكر الطيب
والمؤمن يُلدغ مرتين في ساحة اتحاد الخرطوم، ولا شيء يحدث صدفة.
فكل خطوة تُحسب، وكل قرار يحمل في ظله رسالة، وكل إعلان مهما بدا بريئًا — يأتي كأنه محاولة لإطفاء حرائقهم بماءٍ ليس من سحابة ولا من غيم… ماء من دلُوٍ مسروق ومشفشف في زمن الشفشفة
إعلان توزيع المعدات على الأندية مكرمة رياضية” هبطت من السماء، بينما يعرف العارفون أن السماء لا ترسل عطاياها في توقيت مُلتبس كهذا إلا إذا كان خلفها من يريد أن يشغل العيون عن الضوء الحقيقي: حكم المحكمة العليا الذي قطع الطريق على فزاعة “لجنة التطبيع” وأسقط أقنعتها واحدةً تلو الأخرى.
ومع هذه الحركة المسرحية، خرج تصريحٌ آخر من أسامة عطا المنان، محشوًّا بدعمٍ مفتوح للجنة، وبتلميعٍ مُعاد صياغته ليبدو كأنه تأكيد على صلابتها… بينما الحقيقة أن هذا النوع من التصريحات لا يصدر عادة إلا عندما يكون الجدار قد بدأ يهتز من الداخل.
لكن اللافت…
أن رئاسة لجنة توزيع المعدات وُضِعت على كتف رجلٍ تعرفه الساحة كما يُعرف الطريق المزدحم بعلامات المرور
رجلٌ سبقت خطواته إلى اختبارٍ العمل الرياضي قديماً وخرج منه بغبارٍ ظلّ عالقًا في الذاكرة.
ولأن الذكرى — مهما تجمّلت — تبقى مثل المرآة القديمة:
تمسحها كثيرًا، لكن الخدوش على سطحها لا تزول…
عاد الرجل إلى المشهد وكأن شيئًا لم يحدث،
يمشي في ذات الدرب الذي تعثّر فيه،
كأن الأرض التي آلمته بالأمس
قد غيّرت جلدها فجأة،
أو كأن الحصى الذي مزق الخطوة
أصبح الآن عطرًا منثورًا على الطريق.
نكتفي بابتسامة يعرفها من جرّب الحكمة،
فالوقت وحده يكشف الفارق بين
من تعلم من عثرته،
ومن عاد إليها وهو يظن أن المطبّ سيشفق عليه هذه المرة.
وهناك — في التفاصيل الصغيرة —
تسمع همس التجربة يقول:
إن الجحر لازال في مكانه،
فالأفعى لا تُغيّر جحرها… وإن غيّرت جلدها.
وإن من جرّب “فاتورة الأمس”
يعرف تمامًا أن الأرقام قد تتغير،
لكن الحساب لا يتغيّر أبدًا.
ولأن المؤمن لا يُلدغ من الجحر مرتين،
لن نكون نحن من يكرّر الخطأ…
ولن نبيع الماء في حارة السقايين.
نراقب…
نحسب…
ونكتب ما يجب أن يُكتب،
لأن التاريخ — برغم صمته — يمتلك ذاكرة لا تنام،
ولأن الوسط الرياضي يعرف تمامًا
أن الحق… حتى لو تأخر…
يأتي على مهلٍ
لكنّه يأتي بثقل الحقيقة، لا بخفة التبريرات.
وأهلك العرب قالوا:
ما تبيع الموية في حارة السقايين… فالعارف ما بُخدع، واللبيب بالإشارة يفهم.
والله المستعان
