لو كنت ناكر للهوى زيك

أبو بكر الطيب
عودة المشهد إلى بدايته… وسقوط ورقة التوت عن لجنة التطبيع
عندما تتشابك المصالح، وتختلط الأصوات، وتتقاطع المواقف…
عندما يبدو المشهد مضطرباً لمن لا يعرف جذوره.
لكن الحقيقة هي ما نراه وهي نتيجة طبيعية لبداية كانت خاطئة، ولجنة وُلدت مختلّة، التوازن فاقدة للمصداقية ومسار لم يُبنَ على معيار واحد.
فمنذ اللحظة الأولى التي ظهرت فيها لجنة التطبيع على المسرح الرياضي، كان كل شيء يشير إلى أنها لجنة جاءت على عجلة، بتركيبة مرتجلة، وبتحالفات لا يجمع بينها رابط سوى المصلحة الشخصية المحضة وبخلفيات متباينة لا يجمع بينها برنامج ولا رؤية.
لجنة تشكّل معظمها عبر ترضيات شخصية، وعلاقات، ومجموعات ضغط، لولبية وموازنات لا علاقة لها بخدمة الرياضة.
ولأن البناء بدأ على أساس هش، فقد كان من الطبيعي أن ينهار أمام أول اختبار حقيقي…للاخلاق والقيم
وقد جاء الاختبار على أيدي نادي النيل.
قضية نادي النيل كانت عدسة مكبّرة كشفت ما لم يره الناس في الأيام الأولى:
أن اللجنة التي قُدمت للجمهور باعتبارها “منقذاً” للوسط الرياضي… هي نفسها لجنة مثقلة بالتناقضات، وتضارب المصالح، والأجندات الخاصة التي جعلت من العمل العام بوابة لمكاسب خاصة.
وبينما كانت الخرطوم تنتظر من هذه اللجنة أن تعيد ترتيب البيت الرياضي، فوجئ الجميع بأنها تعيد إنتاج الفوضى نفسها، ولكن بوجه رسمي ومظهر أنيق.
وها هو المشهد يكتمل اليوم حين عيّنت لجنة تسيير لنادي النيل بلا أي مسوغ قانوني، وبلا أي نص، وبلا أي سند يتوافق مع النظام الأساسي…
فقط بتوصية من أحد أعضاء اللجنة نفسه الذي تمّت مكافأته بتعيينه رئيساً للجنة التسيير!
أي عبث هذا؟
وأي إهانة للعدالة يمكن أن تكون أوضح وأفدح من أن يصبح صاحب المصلحة هو صاحب القرار؟
ثم يأتي الصمت…
الصمت المريب…
الصمت الذي لا يشبه صمت الحكماء، صمت المرتبكين.
صمت لجنة التطبيع بعد انفضاح المسرحية الرديئة التي كتبوها وأخرجوها، وحاولوا تمريرها على الناس وكأن الأندية لا ترى، والجمهور لا يفهم، والناس نيام لا يتابعون.
وما بين صمت اللجنة وانفجار ردود الفعل، تعود بنا الذاكرة إلى يوم تكوين لجنة التطبيع نفسها…
ذلك اليوم الذي تحوّلت فيه “لجنة الوساطة” فجأة – وفي ليلةٍ وقبل ان يأتي ضحاها – إلى لجنة تملك صلاحيات اتحادات منتخبة!
كيف؟
ولماذا؟
ومن الذي خطط؟
ومن الذي ضغط؟
ومن الذي أراد أن يجعل من اللجنة مطية لتمرير أجندات ظلت تبحث عن نافذة منذ سنوات؟
من يتأمل تركيبة اللجنة، وتضخم عددها، والأسماء التي ضُمت إليها بلا سبب مهني… يدرك أن المسألة لم تكن يوماً مسألة إصلاح، وإنما تقاسم نفوذ، وترتيبات مصالح، وتحالفات تم بناؤها بعناية لخدمة من “يلف ويدور في فلكهم”.
ولهذا، حين تضع قضية نادي النيل تحت المجهر، لتكتشف طبيعة اللجنة كاملة، وتقرأ تاريخ تكوينها من جديد، وتتأكد أن هذه اللجنة لم تختبر فقط في نادي النيل انكشفت أمامه.
لقد قال نادي النيل كلمته… وثبّت موقفه القانوني… وقدّم سرداً موثقاً لا يستطيع أحد دحضه.
وقبله قال القانون كلمته.
واليوم يقول الرأي العام كلمته، وتقول الصحافة، ويقول الإعلام، ويقول كل من يراقب المشهد عن قرب:
إن هذا العبث لا يمكن أن يستمر… وأن لجنة التطبيع التي بدأت بالخلل لا يمكن أن تُصلح ما أفسدته يدها.
فإذا كانت جذور الشجرة فاسدة… فالفروع لا تثمر صلاحاً.
وإذا كان الأساس مائلاً… فالجدار لا يقف ولو رقّعوه ألف مرة.
اليوم يسقط القناع، وتظهر الحقيقة، ويعود المشهد إلى مربعه الأول…
حيث بدأت الفوضى، وحيث يجب أن يبدأ الإصلاح الحقيقي.
وَأَهْلُكَ العَرَبُ قالوا:ضجت معالمها وضاعت القيم
وتحالف الذئب والطاووس والغنم
والله المستعان
